أقلام الثبات
ينتقد رئيس الحكومة حسان دياب مصرف لبنان، مستهدفاً حاكمه رياض سلامة، فتظن أن المتحدث سياسياً معارضاً وليس رئيس حكومة ومصدر قرار وصاحب سلطة على المصرف وحاكمه.
يصرح دياب: "إن اللبنانيين يريدون الحماية من الغلاء الفاحش. ويريدون من مصرف لبنان أن يضبط سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية". ويضيف: "إن اللبنانيين يريدون أفعالاً لا أقوالاً. وإن اكثر ما يهمهم اليوم هو سعر صرف الدولار". ويؤكد أن أزمة الدولار مفتعلة. ويطلب من سلامة الكشف عن أسباب تمنعه عن التدخل لحماية الليرة. وأن يسمي الذي يمنعه عن ذلك.
يعلم رئيس الحكومة أن الطاقم السياسي التقليدي الذي أوصل البلاد إلى حالتها الصعبة، بفساده ومحسوبياته ونهبه للمال العام، هو مثل ذلك الميكانيكي، الذي تعلّم أن وضع المياه غير المكررة من الشوائب في أجهزة تبريد السيارة، يراكم فيها الترسبات والصدأ ويتلفها. لكنه لا يتورع عن فعل ذلك، لأن له مصلحة في تكرار أعطالها واستمرار حصوله على المال من صاحبها.
كذلك، هم السياسيون في لبنان، إذا لم يجدو مشكلة أو كارثة، يلهون بها اللبنانيين ويدفعونهم تحت ضغط الحاجة للجوء إليهم والإلتفاف حولهم، يخترعون لهم مشكلة ويتسببون لهم بكارثة، ليستثمروا عليها ويبنوا بها زعاماتهم ويدعموها ويجنوا بنفوذها الثروات الطائلة. وبالتالي، فإن للسياسيين دور أساسي في حماية الفساد والفاسدين، فهم يتكاملون وما يصيب أحدهم يصيب الآخر وبالعكس.
لذلك، من حق اللبنانيين أن يسألوا الحكومة ورئيسها عما يمنعهم من محاسبة رياض سلامة. ومن يغل أيديهم عن حرب الفساد والفاسدين، وصولاً إلى إستعادة أموال الدولة المنهوبة، في التلزيمات والتعهدات والصفقات وهدر الكهرباء وغش المحروقات والأملاك البحرية والنهرية وغيرها. وأين استرداد الأموال المسروقة وتلك المهربة إلى خارج لبنان وهي بعشرات مليارات الدولارات. لأن إرتفاع سعر الدولار هو نتيجة، أما أبواب الهدر والسرقة المذكورة فهي السبب. وقد بات واضحاً عجز الحكومة عن مواجهة تحالف الفاسدين، المشكّل من زعامات الطوائف وأصحاب المصارف وكبار المتمولين، الذين أعادوا تنظيم علاقاتهم وترتيب صفوفهم، بعد إهتزازها أمام أصوات المتظاهرين في 17 تشرين الماضي. وبات من الطبيعي طرح السؤال: إذا لم يكن في مقدور الحكومة مواجهة الفاسدين المعروفين بأسمائهم وصفقاتهم وهذا يمثل عجزاً داخلياً، فكيف لها أن تنجح خارجياً في مواجهة جائحة الهجمة الأميركية المسعورة، الهادفة إلى فرض الشروط "الإسرائيلية" على لبنان، من خلال حصاره مالياً وإقتصادياً. وقد ربطت وقف حملتها بقبول لبنان تلك الشروط، التي يعرفها القاصي والداني. وتتلخص بترسيم الحدود البحريّة والبريّة، كما تبلغها المسؤولون اللبنانيون من الموفدين الأميركيين. بما يؤدي إلى تقاسم المنطقة المتنازع عليها بين لبنان والكيان الصهيوني، في المياه الإقليميّة اللبنانيّة المحاذية للحدود البحريّة مع فلسطين المحتلة. من البلوكين 9و10 اللذين يحتويان على كميات كبيرة من النفط والغاز. وكذلك، إلى إعطاء العدو أراض يطمع فيها في أكثر من موقع حدودي. إضافة إلى تكرار المطالبة بنزع سلاح المقاومة، حتى لا يبقى للبنان مصدر قوة يردع العدو وأطماعه.
من هنا يمكن فهم التلكوء الرسمي اللبناني في تلقف العروضات الآتية من بلدان شرقية وأبرزها تلك الصينية، فالذين تعودوا على جعل كل مشروع صفقة. وكل صفقة سرقة. وكل سرقة وصفقة محاصصة وتوزيع أنصبة على زعماء السياسة وتجار الطوائف والمذاهب، يتوجسون شراً من الدخول الصيني على خط تمويل البنية التحتية اللبنانية وتحديثها وتطويرها. لأن الرشوة غير مضمونة هنا. والتعامل سيكون بين لبنان الدولة وشركات صينية ترعاها دولتها، فتطير بالتالي أسهم المحاصصة. كما أن الصين ليست من الدول الست التي رعت متصرفية جبل لبنان العثمانية. وليس لها طائفة تابعة كما باقي الدول "العظمى". مما يعني غياب أي ضغط طائفي أو مذهبي يتعصب للصين ويتمسك بدورها. ولو كان رفض هذا الدور يضر بمصلحة لبنان، فمصالح الطوائف كما هو معروف تتقدم على مصلحة الدولة. ومنطق الدولة سقط منذ تاسيسها أمام نفوذ زعماء الطوائف ومرجعياتها. فهل يتغلب منطق الدولة ومصلحتها ويتم تلقف العروض الصينية، أم يربح كالعادة، المرتبطون بالوكالات الحصرية لسفارات الغرب وشركاته؟