أقلام الثبات
وصلت الحرب في ليبيا الى المربع الأخطر بحيث عادت نغمة تقسيم الدولة بقوة ,كانعكاس للنفوذ السياسي , وقد عزز ذلك التدخل التركي السافر والمباشر عسكريا وأمنيا واقتصاديا , في وقت كانت المساعي جارية لترجمة مؤتمر برلين لوضع الاطار السياسي على سكة الحل .
لقد استنفر التدخل التركي , ليس دول الجوار فقط , وانما كل دول العالم , بسسب المخاطر التي شكلها هذا التدخل على المصالح , ولاسيما على العمق الحيوي لمصر , وعليه أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي,، عن الاستعداد للانخراط في الصراع الليبي،عسكريا , لأن ذلك سيكون خطوة مشروعة من وجهة نظر القانون الدولي. وكبديل، تصر مصر على تعليق فوري للأعمال الحربية في ليبيا.التي حرضت عليها تركيا.
من الطبيعي ان لا تسمح مصر بهزيمة حليفها المشير خليفة حفتر وجيشه , كما لن تسمح مطلقا بسيطرة تركيا على الهلال النفطي في ليبيا، وبالتالي على الاقتصاد الليبي وتوسيع نفوذها السياسي في شمال افريقيا عموما , مضافا الى ذلك خسارة مصر لسوق عمل يشتغل فيه نحو مليوني مصري ,اكثر من نصفهم بقي يعمل رغم الحرب الطاحنة هناك .
لقد وصل التنابذ التركي - المصري الى ذروة جديدة على خلفية ما يحدث في ليبيا , وهو التنابذ الذي تأسس منذ اسقاط حكم الاخوان المسلمين , واعتقال المئات من الاخوان وفي مقدمهم الرئيس محمد مرسي الذي توفي في السجن .ولذلك فان الثأر السياسي سيبقى ديدن تركيا- اردوغان ,وورقة نابضة يحاكي من خلالها الرئيس التركي الداخل القومي للهروب من ازماته الداخلية المتنامية , بموازاة السخرية من اعلان السيسي امكانية التدخل العسكري في ليبيا, لا بل تسخيف كلام السيسي واعتباره مجرد كلام , مع الاصرار على أن تحذير مصر بأنها قد تتدخل بشكل مباشر في ليبيا، لن يردع تركيا عن دعم حلفائها الليبيين.
في هذا الخضم يسعى كل من الطرفين إلى استقطاب اطراف دولية فاعلة في الازمة الليبية , وكان التعبير الايطالي عن عمق الازمة قد عكسه وزير الخارجية الايطالي بان بلاده ستعمل على منع تقسيم ليبيا , في وقت كان الرئيس التركي يستجدي اتصالات دولية مقابل اغراءات استثمارية .اما الموقف الاوروبي بشكل عام فشخصه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن تركيا "تلعب لعبة خطيرة" في ليبيا، مشيرا إلى أنه نقل هذا الموقف إلى نظيره التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق.مع بحث الوضع المتدهور مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اللذين شددا على ضرورة وقف إطلاق النار في ليبيا,واستئناف المفاوضات بين الأطراف الليبية في أسرع وقت ممكن".
واللافت في موازاة هذه الحركة إجراء وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ، مشاورات مع وزير الخارجية بحكومة الوفاق الليبية الرهينة لانقرة محمد الطاهر سيالة, كما جرى التشاور بشأن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري حول الوضع في ليبيا .
اما الاميركيون، يبدو انهم يلعبون على الحبال كعادتهم ولذلك حركوا القيادة المركزية لقواتهم في افريقيا "افريكوم"للاجتماع مع فايز السراج في طرابلس , والتأكيد بعد نهاية الاجتماع من جانب الوفد الاميركي على ضرورة وقف استراتيجي لإطلاق النار في ليبيا.
لم يكن متوقعا ان يتحرك الاميركيون بسرعة مع تأكيدات اوروبية على ضرورة وقف النار ودفع السعودية الى الاتصال بحكومة السراج المعادية، لولا الاحساس بان احتمال الخروج من المولد بلا حمص مع ظهور مؤشرات ان روسيا باتت من اكثر الاطراف تأثيراً على الساحة الليبية , وسعيها الدؤوب الى منع حرب مصرية - تركية على الارض الليبية لانها ستتوسع حتما ولن تبقى شظاياها محصورة في الاقليم .
يضاف الى ذلك، ان مصر تعاني من مشاكل أخرى في السياسة الخارجية ولم تجد داعما للتدخل سوى الامارات والسعودية ؛ ومن ناحية أخرى، فإن إمكانات القاهرة للتأثير في التسوية السياسية في ليبيا محدودة، لأنها ليست طرفا محايدا. في نفس الوقت الذي يمكن فيه أن تشكل العملية العسكرية استمرارا لسياسة القاهرة في تكاتف السكان على أساس وطني. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تلقي أموال من دول الخليج لهذا الغرض. والدعم المالي بالنسبة لمصر، التي تعاني من أزمة اقتصادية، مسألة ملحة للغاية".
من الطبيعي ان يتجاوز "اللاعبون الكبار" النأي بالنفس. ومن المستبعد أن يكون لأي منهم مصلحة في الحرب بين تركيا ومصر. فمن شأن ذلك أن يكون صراعاً هائلاً وسوف يخسر الجميع بنتيجته",وبالتالي يمكن لروسيا أن تأخذ زمام المبادرة. فتعرض على السراج وحفتر التفاوض، بوساطة روسيا وتركيا، حول شروط إقرار وقف إطلاق النار. ثم، عندما يتوقف إطلاق النار، تبدأ مناقشة إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية للصراع الليبي. فلدى موسكو وأنقرة، خبرة واسعة في إيجاد حلول وسط، بشأن القضايا الأكثر إيلاماً، وهناك أمل في أن لا يكون الصراع الليبي استثنائيا.