أقلام الثبات
اسفرت "الديمقراطية والحرية" الاميركية الزائفة عن الوجه الاميركي البشع دفعة واحدة ,وسقطت كل منظومة الدجل والتضليل من عيون البشرية، جراء جريمة قتل مشهودة وعن عمد لمواطن اسود البشرة - جريمة لا مثيل لها سوى في الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين .اي ان تجليات العنصرية واحدة - ومن روحية سياسية - عقائدية مصدرها واحد.
هي ليست الجريمة الأولى من نوعها , لكنها فجرت احتجاجات على مدى اوسع من ردات الفعل على جرائم مماثلة , ومن الواضح ان رد فعل السلطات الاميركية , اكان على مستوى القمع او الاجراءات التي اعتمدتها لردع المنتفضين في الشارع , وتلك التي هددت باتخاذها لا سيما على لسان رأس السلطات - اي الرئيس دونالد ترامب وادارته الدموية - تؤكد ان الارباك غير مسبوق في التعاطي مع حركة الشارع .خصوصا مع تساقط ضحايا بالرصاص , ومحاولة الشرطة التبرؤ من دم القتلى والجرحى باعلانها أنها لم تطلق النار على المحتجين, علما ان ترامب نفسه قال بعظمة لسانه انه "عندما تبدأ اعمال الشغب يبدأ اطلاق الرصاص , مع وصفه المحتجين بانهم لصوص , لقد حدثت ردات فعل -شغب-على العنصرية , وفعلا بدأ اطلاق الرصاص.
السؤال ماذا يجر اطلاق النار على المحتجين بعد جريمة , كتم النفس حتى الموت , للمواطن جورج فلويد الذي لفظ انفاسه وهو يردد "لم أعد قادرا على التنفس"بينما ضابط الشرطة يضغط برجله على عنق الضحية حتى الموت .
ليس من البساطة بشيئ ان تحذر الخدمة السرية المكلفة بحماية البيت الأبيض في الولايات المتحدة المواطنين تجنب السير في محيطه, بذريعة ضمان سلامتهم.ووما يعكس حالة الهلع لدى قاطن البيت الابيض ,إصدار الحرس الوطني بيانا عن وضع القوات في العاصمة بوضع الاستعداد للحفاظ على الأمن.- اي ان السلطة مهددة حقا مع فرض حظر تجول ايضا في كل من أتلانتا، ولوس أنجلوس، وفيلادلفيا، وناشفيل، في محاولة لاحتواء أعمال "الشغب".و نشرت أكثر من 10 ولايات أميركية، آخرها دائرة كولومبيا التي تقع ضمنها العاصمة واشنطن، قوات الحرس الوطني للتعامل مع الاحتجاجات وأعمال الشغب مع تجريد السلطات الأميركية حملة اعتقالات طالت الاف المتظاهرين في 17 ولاية أميركية بزعم ان الاحتجاجات غير مرخصة .فضلا عن استهداف الصحافيين مباشرة بالقمع ورشهم بالرصاص المطاطي والفلفل لمنعهم من نقل مجريات الشارع - اي منع نقل الحقائق الى الجمهور خوفا من ان يثور اكثر , وتخرج الأمور عن السيطرة تماما .
لم يجد ترامب امامه سوى لغة الوعيد والتهديد بالقوة , ولوح باستعداد قوات الجيش للتدخل سريعا لردع الاضطرابات المترافقة بأعمال عنف تجاه المتظاهرين، متهما "اليساريين المتطرفين" بالوقوف وراء أعمال الشغب.وقال أن الولايات المتحدة ستصنف حركة "أنتيفا" المناهضة للفاشية تنظيما إرهابيا، .ودعا السلطات المحلية في الولايات إلى أن تكون أكثر صرامة في التعامل معهم، مهددا باستخدام "القوة العسكرية غير المحدودة".
ليست صور الحرائق والدمار الناجمة عن الصدامات العاصفة بالولايات الاميركية ,الا انعكاسا لما ارادته الادارات الاميركية ان يكون مشهدا في كل دول العالم , وان تكون وحدها السيد-الاستاذ الذي يوزع النصائح يمنة ويسرى في كيفية مسؤولية الحكام في الحفاظ على حياة المواطنين وارازقهم وممتلكاتهم , وان تكون الولايات المتحدة دون غيرها في العالم, الحلم لكل مخلوق.
لقد سقط الحلم الاميركي المفضوح الغايات , واصبح رميما , وليس ادل على ذلك اضافة لما تشهدة الولايات الاميركية المتناقضة , ما شهدته كندا والمانيا وبريطانيا , من تظاهرات تراكم مؤشرات لا يمكن تجاهلها , لقد جثا المحتجون على ركبهم في ميدان "الطرف الأغر" بوسط لندن، مرددين "لا عدالة.. لا سلام"، ثم مروا بجوار مقر البرلمان حتى وصلوا إلى السفارة الأمريكية منددين بالقمع والترهيب الاميركي , فيما كانت مسيرة خارج السفارة الأمريكية في برلين ترفع لافتات ,,"أوقفوا قتلنا" و"من التالي الذي سيحطم عنقه".وتظاهر آلاف الأشخاص في مدينة تورونتو الكندية لإدانة العنصرية وأعمال العنف التي تقوم بها الشرطة في الولايات المتحدة وكندا،ورفع المتظاهرون الكنديون الذين وضع معظمهم كمامات لافتات كتب عليها "حياة السود تهمة" و"لم أعد قادرا على التنفس"، العبارة التي قالها جورج فلويد، قبل أن يلفظ اخر أنفاسه .
ليس غريبا ما يحدث على مستوى الشارع الأوروبي والغربي , الا ان الأنظمة المقيدة أميركياً , ولا سيما اليمينية من ادعياء الحرية لم يصدر عنها رد فعل عام, على الاقل ,مثلما كان يحدث عند اي مشكلة لا تقارب العنصرية بشيئ في الدول النامية , وهذا الامر بحد ذاته كمن ينتظر على ربوة ليعرف اتجاه الريح , خوفا من ان تقتلعه مع نمو العنصرية في عدد من البلدان التي لم تتعلم من التاريخ دروسا اثناء تمدد الفاشية والنازية قبيل الحرب العالمية الثانية .
ان الهرم الاميركي سيتداعى ,والمسألة مسألة وقت , والادارة الاميركية تسعى برجليها الى الحفرة التي حفرتها لكل دولة لا تجاريها في الاعيبها المضللة والمعادية لحقوق الشعوب ,,والقمه والترهيب اقرب الطرق الى الهاوية , وهذا الامر لحظته "منظمة العفو الدولية", بطريقة غير مباشرة بحثها السلطات الأمريكية على الكف عن استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين في الاحتجاجات التي تعم الولايات المتحدة، معتبرة أن شرطة البلاد فشلت في تنفيذ التزاماتها, في إطار القانون الدولي الخاصة باحترام وتسهيل الحق في التظاهر سلميا، وتزيد من توتر الأوضاع وتعرض حياة المتظاهرين للخطر".
إن ادارة ترامب ستفعل المستحيل , ولو غرقت كل الولايات بالدم للدفاع عن عنصريتها , وهذه اخر الاوراق , بعد استنزاف اوراقها الخارجية بالكذب على شعبها بالاتيان بالمن والسلوى من خلال الاتاوات على الدول النفطية في الخليج , وابتزاز الحلفاء ماليا , من أجل تأمين ملايين فرص العمل , فاغرقت الناس بوعود اظهر ارتفاع نسب البطالة انها وهمية ,او حالمة على اقل تقدير ,فضلا عن فشل المنظومة الاميركية في معالجة جائحة كورونا ,لتحمل الصين ومنظمة الصحة العالمية مسؤولية فشلها .
لا شك ان التراكم الكمي من المشاكل سيؤدي الى تحول نوعي , والتراكم في فشل العدالة ,ومعالجة المشكلات الاجتماعية ,وزيادة الاعداء الخارجيين , وتتويج كل ذلك بعنصرية القرون الوسطى , ستقود الولايات الاميركية الى احتراب داخلي اين منه حروب الشمال والجنوب .