أقلام الثبات
لم يكن للغازي التركي أن يجرؤ على التبجح في ليبيا التي يفصلها عنه البحر المتوسط، وهو من كان يصرخ كل يوم ميستجدياً الناتو بمجرد أن كشر الجيش العربي السوري عن أنيابه أمامه في إدلب المجاورة لحدوده، لو لم يحصل على ضوء أخضر من الولايات المتحدة وبريطانيا، والضوء الأخضر الأميركي البريطاني جاء للتركي لتحقيق عدة أهداف :
أولا : معاقبة المشير خليفة حفتر على تقربه من المعسكر الروسي والفرنسي.
ثانيا : خوض أردوغان الحرب بالنيابة عن الولايات المتحدة وبريطانيا ضد روسيا في ليبيا، كما جرى في سورية، وهو أمر معتاد على تركيا منذ انضمامها إلى حلف الناتو، بحكم أن هذا دورها الموكل، لها ككلب حراسة لمصالح الانجلوسكسون في جنوب أوروبا وأسيا الوسطى، وكحال "إسرائيل" في الشرق الأوسط.
ثالثا : أن تعود كفة الصراع في ليبيا إلى نقطة التعادل بين الجيش الليبي وحكومة الفرقاطة، في ظل رغبة الولايات المتحدة وبريطانيا بأن تظل كل الصراعات في سورية واليمن وليبيا مشتعلة دون توقف، لضمان أستمرار إستنزاف جميع الأطراف المتداخلة بتلك الملفات، وأن تبقى نتيجة الصراعات في الدول الثلاث تعادل لا غالب ولا مغلوب، ولنا في تدخل بريطانيا ضد الجيش الإماراتي في الحديدة باليمن مثال.
رابعا : تواصل ضربات بريطانيا المتتالية للاتحاد الأوروبي منذ خروجها منه، بعد أن جعلت مصالح كل من فرنسا والمانيا وايطاليا متضاربة في ليبيا.
خامسا : تعطيل دخول ليبيا صاحبة الثروات الضخمة من النفط والغاز من نزول ملعب شرق المتوسط خدمة لمشاريع دولة الإحتلال "الإسرائيلي"، وخدمة لتركيا أيضا بعد عامين من محاولات التنقيب والإستكشاف الفاشلة في المياه التركية والقبرصية لإستخراج أي نفط أو غاز هناك، وأستمرار سرقة اليورانيوم الليبي لصالح الغرب.
ومن الضوء الأخضر الذي حصل عليه أردوغان في ليبيا، أستغل التركي الأمر لكي يضع يده الثانية على البنك المركزي في طرابلس بعد أن وضع يده الأولى على الصناديق السيادية في الدوحة، وبلي ذراع أوروبا الثاني باللاجئين من ليبيا بعد لي ذراعها الأولى بلاجئين من سورية، وبفتح جبهة جديدة في صراعه ضد مصر والإمارات والسعودية.
والأخطر من ذلك ترجمة ما قاله أردوغان منذ فترة، عندما قال :"ليبيا إرث أجدادنا"، كي يعيد إحياء الإحتلال العثماني لشمال أفريقيا، وخصوصاً أن الوضع كل يوم يتهيأ له بفضل حزب النهضة التونسي الذي جعل من تونس نقطة ترانزيت للسفن التركية المحملة بالمرتزقة من سورية إلى ليبيا، وفي ظل سيطرة حزب العدالة والتنمية على الحكومة المغربية، كما أنه من ليبيا سيذهب أردوغان إلى مصر مجددا التي أستعصت عليه كثيرا، وأجهضت مشروعة في الشرق الأوسط بعد ثورة 30يونيو2013م.
ولذلك الصراع في ليبيا كحال الصراع فى سورية واليمن مرهون حله بين الولايات المتحدة وروسيا في المقام الأول، على أساس حسن تقسيم الكعكة بينهما، وكلما توغل طرف أقليمي في ملف، كلما طال أمد الأزمة وهو ما يرغب فيه الانجليزي تحديدا، وهو ما جرى بالفعل في سورية وليبيا بفعل التدخل التركي، وهي من تلعب دوراً ليس بالقليل في اليمن في ظل دعم المخابرات التركية القوي لحكومة منصور هادي وحزب الإصلاح (إخوان اليمن) نكاية في الإمارات، فليبيا كانت بداية معارك الكبار، وأذكركم بتصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء حواره التلفزيونى يوم 17 ابريل/ نيسان 2014، عندما قال :"أن العلاقات مع الولايات المتحدة أنتهت بعد الأحداث فى ليبيا، وليس بعد أحداث شبه جزيرة القرم"
وعن فرص الجيش الليبي نفسه والداعمين له كجمهورية مصر العربية والإمارات العربية المتحدة، بحكم أن الحرب هناك لم تعد بين المشير حفتر والمدعو فايز السراج، بل بين مصر والإمارات من جهة وتركيا ومن يحركها في المنطقة بريموت من جهة أخرى، فالتحدي أمام داعمي المشير حفتر ليس عسكريا بل سياسيا، فلو كان الأمر مقتصراً على مهام عسكرية لكانت تحررت ليبيا بالكامل وقت إنطلاق عملية الكرامة 2014م، ولكن الأمر في الخطوط الحمراء التي فرضها مخططو الشرق الأوسط الجديد حول "خريطة تقسيم ليبيا"، وهي من جعلت مدة عملية تحرير طرابلس تتخطى العام، قبل أن يذهب الغرب الليبي بأكمله إلى مليشيات أردوغان ما عدا ترهونة الصمود.