الثبات - التصوف
حقائق عن التصوف "اشتقاق التصوف"
فضيلة الشيخ عبدالقادر عيسى
كثرة الأقوال في أصل اشتقاق مصطلح التصوف، فمنهم من قال: "من الصُّوفة، لأنَّ الصوفي مع الله كالصوفة المطروحة، لاستسلامه لله تعالى".
ومنهم من قال: "إنَّه من الصِّفَة، إذ جملته اتصافٌ بالمحاسن، وترك الأوصاف المذمومة".
ومنهم من قال: "من الصفاء"، حتى قال الإمام أبو الفتح البستي رحمه الله:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا ... وظنه البعض مشتقاً من الصوف
ولست أمنح هذا الاسم غيرَ فتىً ... صفا فصوفي حتى سُمي الصوفي
ومنهم من قال: "من الصُفَّة، لأنَّ صاحبه تابعٌ لأهلها فيما أثبت الله لهم من الوصف، حيث قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}.
وأهل الصُفَّة هم الرعيل الأول من رجال التصوف، فقد كانت حياتهم التعبدية الخالصة المثل الأعلى الذي استهدفه رجال التصوف في العصور الإسلامية المتتابعة.
وقيل: "من الصَّفوة" كما قال الإمام القشيري.
وقيل: "من الصَّف" فكأنَّهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث حضورهم مع الله تعالى، وتسابقهم في سائر الطاعات.
ومنهم من قال: "إنَّ التصوف نسبة إلى لبس الصوف الخشن، لأنَّ الصوفية يؤثرون لبسه للتقشف والاخشيشان".
ومهما يكن من أمر، فإنَّ التصوف أشهر من أن يحتاج في تعريفه إلى قياس لفظٍ، واحتياج اشتقاق.
وإنكار بعض الناس على هذا اللفظ بأنه لم يُسمع في عهد الصحابة والتابعين مردود، إذ كثيرٌ من الاصطلاحات أحدثت بعد زمن الصحابة، واستعملت ولم تُنكر، كالنحو والفقه والمنطق.
وعلى كلِّ فإننا لا نهتم بالتعابير والألفاظ، بقَدْرِ اهتمامنا بالحقائق والأُسس، ونحن إذ ندعو إلى التصوف إنما نقصد به تزكية النفوس وصفاء القلوب، وإصلاح الأخلاق، والوصول إلى مرتبة الإحسان، نحن نسمي ذلك تصوفاً، وإن شئت فسمه الجانب الروحي في الإسلام، أو الجانب الأخلاقي، أو سمه ما شئت مما يتفق مع حقيقته وجوهره، إلَّا أنَّ علماء الأمة توارثوا اسم التصوف وحقيقته عن أسلافهم من المرشدين منذ صدر الإسلام حتى يومنا هذا، فصار عُرفاً فيهم.