الثبات - اسلاميات
اسم الله "مالك الملك"
مالِكُ الْمُلْكْ، هُوَّ الَّذِي لَهُ الْمُلْكُ كُلُّه، الْمُتَصَرِّفُ فِيهِ كَيْفَ يَشاءْ وَكَما يَشاءْ، يُعْطِيهِ مَنْ يَشاءْ وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشاءْ، لَا مَرَدَّ لِقَضائِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِه، مالِكُ السَّمْعِ وَالْأَبْصارِ وَالْأَفْئِدَة، الرَّحْمَنُ الرَّحِيم، مالِكِ يَوْمِ الدِّينْ.
وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ لْكَرِيمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْران، آيَة، سِتَّةٌ وَعِشْرُون: {قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْر، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، فيذكرنا ربنا بأنه مالك لهذا اليوم، ويذكرنا كذلك بهذا اليوم العظيم، فهو سبحانه يملك هذا اليوم، وهو مالك الملك، وقد ذكر سبحانه وتعالى اسم [مالك الملك] في قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. وذلك لإزالة توهم الناس أنَّ المخلوق يملك، حيث يُرى له من كسب ظاهر وتصرف مجازي في ملك الله، إلا أنَّ الله ينفي كون ذلك الملك على حقيقته؛ فلو كان كذلك لما انتُزع منهم وأعطي لغيرهم فالمُلك لله وحده.
مالك الملك مركب إضافي من كلمتين:
مالك وهو اسم فاعل من ملك الشيء يملكه فهو مالك له، ويقتضي الانفراد بالتصرف في المملوك، فيتصرف فيه تصرفا مطلقا. والمُلك بضم الميم مصدر بمعنى السلطان والقدرة.
واشار الى أن معنى الاسم بجزأيه: المنفرد بالتصرف المطلق فيما يملكه سبحانه، ومُلكه هو خلقه، فكل ما سوى الله خَلق من خلقه يملكه سبحانه ويتصرف فيه كيف يشاء بحكمته وقدرته.
و[مالك الملك] اسم يتبع قسم الجلال، فهو يُحدث في قلب المؤمن خضوعه خشوعاً لله، فيشعر المؤمن بعظمته وقدرته على التصرف في ملكه، كما أنه يُشعر المؤمن بالافتقار والاحتياج إلى الله، ويشعره بمدى الضعف الإنساني حيث لا يملك لي نفسه موتا ولا حياة ولا نشوراً.
وكون [مالك الملك] من قسم الجلال فإنَّ ذلك يقتضي من المسلم أن يتعلق به، ولا يتطلع للعظمة والكبرياء وتوهم التصرف في الأشياء، مما يوجب غضب ربنا سبحانه وتعالى، يقول النبي ﷺ: قال الله عز وجل: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار".
واسم مالك هكذا بغير إضافة المُلك يصلح لأن يطلق على البشر على جهة الاسم أو الصفة: فهو اسم أحد ملائكة الله من خزنته جهنم -أعاذنا الله منها- قال تعالى: {َنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ}.
مالك تكون صفة كذلك لمن يملك من البشر، مع التنبيه على أنَّ ملكية البشر ملكية مجازية، فالله هو المالك على الحقيقة، فربنا يملك البشر وما تحت أيديهم، والملكية المجازية التي هي للبشر عرفها الإمام القرافي بأنها: حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة، يقتضي تمكن من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك والعوض عنه من حيث هو كذلك.
وذلك لأنَّ كل من تنتقل إليه عين أو منفعة عن طريق الشراء أو الهبة أو الإرث أو الإيجار أو غير ذلك فهو مالك لها، أباح له التشريع الإسلامي حرية بيعها ووهبها وإهدائها وتأجيرها وغير ذلك من أشكال التصرف. إذن فمالك تطلق على المخلوق باعتبارها اسم يتسمى به، وتطلق باعتبارها صفة له تدل على قدرته على التصرف فيما يملكه.
إذن فما العلاقة بيننا وبين الله؟ العلاقة هي أنَّه سبحانه يملكنا على الحقيقة فهو مالك لنا ولكل الخلق، وهو كذلك يملك أمرنا فهو الملك إذن ربنا مالك الملك.
وإذا جاز إطلاق اسم مَلك على البشر مجازاً، بمعنى أنَّه يسود البلد أو يرأسها، إلا أنَّه لا يجوز أن يطلق على أحد اسم ملك الملوك لأنَّه خاص بالله، وقد نهى النبي ﷺ عن ذلك، فقال: "أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك".
فهو ملك الملوك ولا يكون ذلك إلا لله، وقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. ينبهنا فيه ربنا سبحانه على أن كل شيء بيديه، فإذا أراد الإنسان الدنيا فعليه بالله، وإذا أراد الآخرة فعليه بالله، وإذا أراد الدنيا والآخرة فعليه بالله؛ لأنَّه هو مالك الملك.