الثبات - اسلاميات
دور القرآن في تربية الأبناء
الأبناء والبنات زينة الحياة، وقد قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، ولا يكونون زينة وجمالاً ما لم يكونوا صالحين أخياراً؛ بل ويفوت على والديهم الانتفاع بهم، ولا يحصل لهم بهم في الدنيا والآخرة حظًا ولا نصيباً ما لم يكونوا أتقياء أبراراً.
والأولاد أمانة عند الوالدين، كلَّفهما الله بحفظها ورعايتها، وأوصاهما بتربيتهم تربية صالحة في دينهم ودنياهم، فهما مسؤلان بين يدي الله عن تربية أبنائهم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في بيته، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسئولة عن رعيتها".
وقال عليه وآله الصلاة والسلام: "إنَّ الله سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيّع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته".
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "أدِّب ابنك فإنك مسئول عنه، ماذا أدبته وماذا علَّمته؟ وهو مسئول عن برّك وطواعيته لك".
كثيرة جداً هي الأمور التربوية التي يمكننا أن نزرعها في أبناء الصغار، فهذه السنوات يكون الطفل فيها أرضاً خصبة للبذار التربوية والغراس ومن أهم ما يمكن أن نغرسه في الطفل هو الصلة بالقرآن الكريم.
ربما ظنَّ ظانٌّ صغر الابن عن هذه المعاني العظيمة من الصلة بالقرآن، لكن عندما يلتقي المرء في مسابقات القرآن الكريم مع أطفال في سن الخامسة أو السادسة أو في التاسعة أو العاشرة حفظوا القرآن الكريم أو أكثره يعلم أنَّ هؤلاء الأبناء فازوا بآباء وأمهات علموا أنَّ أحسن ما يغرس تربوياً في الأبناء في هذه المرحلة العمرية هو الصلة بالقرآن الكريم.
روى الطبراني بإسناده عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَلَّمَ ابْنَهُ الْقُرْآنَ نَظَراً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَمَنْ عَلَّمَهُ إِيَّاهُ ظَاهِراً بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَيُقَالُ لِابْنِهِ: اقْرَأْ. فَكُلَّمَا قَرَأَ آيَةً رَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا لِلْأَبِ دَرَجَةً، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخِرِ مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ".
كان ممن مضى قاض فقيه ورع اسمه عيسى بن مسكين، كان يدعو بعد العصر ابنتيه وبنات أخيه ليحفظهن القرآن. وكان أسد بن الفرات فاتح صقيلية يحفظ ابنته أسماء ما يحفظ من القرآن.
تأثير حفظ القرآن على الشخصية: إنَّ أفضل عمل على الإطلاق يمكن لإنسان أن يقوم به هو تلاوة القرآن والعمل بما فيه وتطبيق ما أمر به الله والابتعاد عما نهى عنه الله. ومن خلال عدد من الدراسات تبين أن القرآن يؤثر بشكل كبير على شخصية الإنسان.
عندما تقرأ بعض كتاباً في البرمجة اللغوية العصبية أو في فن إدارة الوقت أو في فن التعامل مع الآخرين، يقول لك المؤلف: إنَّ قراءتك لهذا الكتاب قد تغير حياتك، ومعنى هذا أنَّ أي كتاب يقرأه الإنسان يؤثر على سلوكه وعلى شخصيته لأنَّ الشخصية هي نتاج ثقافة الإنسان وتجاربه وما يقرأ ويسمع ويرى.
طبعاً هذه كتب بشرية يبقى تأثيرها محدوداً جداً، ولكن عندما يكون الحديث عن كتاب الله تعالى الذي خلق الإنسان وهو أعلم بما في نفسه وأعلم بما يصلحه، فإنَّه من الطبيعي أن نجد في هذا الكتاب العظيم كل المعلومات التي يحتاجها الإنسان في حياته وآخرته. فهو النور وهو الشفاء وهو الهدى ... وفيه نجد الماضي والمستقبل، وهو الكتاب الذي قال الله تعالى عنه: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
جاء في كتاب (رسائل لكل أب وأم) للدكتور ياسر نصر ثلاثون وسيلة لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال منها:
- هيئ الجو المناسب للحفظ بتخصيص مكان خاص للحفظ ووقت محدد للحفظ، وإن كان الوقت قليلاً؛ فقليل دائم خير من كثير منقطع.
- ابن الرابعة والخامسة والسادسة لديه طاقة حركية ولن يستطيع أن يجلس طويلاً، فلا بأس أن يتعلم وهو يلعب أو يتحرك.
- لا تجعل الحفظ مبنياً على الخوف والقهر بل اربطه بالحب والرحلة والهدية والمكافأة والتحفيز.
- شجع الطفل على المنافسة مع أولاد عمه أو إخوانه أو أصدقائه في المسجد ولعله يشارك في بعض مسابقات القرآن.
- الطفل لماح ذكي وشرح بسيط للآيات سيسهل عليه الحفظ.
- ابدأ بتحفيظ ولدك السور الصغيرة في الجزء الثلاثين.
- إذا لم يستجب الطفل للحفظ فلابد من اللين والرفق معه، إذ ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما كان الخرق في شيء إلا شانه.
- التكرار من أفضل الوسائل المعينة على الحفظ.
- أعط الطفل مصحفاً خاصاً يحفظ به القرآن، ودعه يحافظ عليه ويضعه في درجه الخاص.
- في أي حال يستطيع الطفل أن يلمس القرآن ولا يجب أن يكون متوضئاً، وإن كنا ندعوه لحمل المصحف بعد الوضوء.
يقول ابن خلدون في تاريخه: "اعلم أنّ تعليم الولدان للقرآن شعار الدّين، أخذ به أهل الملّة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، وصار القرآن أصل التّعليم الّذي يبنى عليه ما يحصل بعد من الملكات، وسبب ذلك أنّ التّعليم في الصّغر أشدّ رسوخاً وهو أصل لما بعده لأنّ السّابق الأوّل للقلوب كالأساس للملكات، وعلى حسب الأساس وأساليبه يكون حال من يبنى عليه".
علموا أبنائكم القرآن والقرآن سيعلمه كل شيء حسن.