الثبات - اسلاميات
اسم الله "اللطيف"
اسم اللطيف واحد من أسماء الله الحسنى الذي اختص الله عز وجل نفسه به وذكر في الكتاب والسنة، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ}، كما قال عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفا خَبِيراً}، ولقد خصصنا هذا المقال لنتعرف على معنى اسم الله اللطيف.
معنى اسم الله اللطيف ودلالته بحق الله تعالى:
المعنى الأول:
اللطيف هو الله سبحانه الذي اجْتَمعت له كل طرق العلمُ بدَقائق المصَالح، والقيام بإيصَالها لخلقه ممَن قدرها له مع الرفق والرقة، في التنفيذ، والفِعْل، قال تعالى: {اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ..}.
فالله هنا قريب من عباده لطيفٌ بهم، يعامل سبحانه وتعالى المؤمنين برأفة، وعطف، وإحسان، كما يدعو كل المخالفين له للتوبة وطلب الغفران مهما بلغ العصيان بهم.
فالله هو اللطيف بعباده العالم بدقائق أحوالهم، والذي لا يخفى عنه أي شيء مما وجد في صدورهم، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ}.
ولقد قال لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}، واقترن هنا اسم الله اللطيف باسم الله الخبير، ويدل على أنَّ الله سبحانه وتعالى مطلِّع على كل بواطن الأمور، ودائم اللطف بعباده، فهو عز وجل لا يُقدِر لعباده إلا ما فيه الخير لهم، والله تعالى يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
وما يَبْتَلِي الله بهِ عبادَهُ من المصائبِ، وَيَأْمُرُهُم بهِ من المكارهِ، وَيَنْهَاهُم عنهُ من الشَّهَوَاتِ، هيَ طُرُقٌ يُوصِلُهُم بها إلى سعادتِهِم في العاجلِ والآجلِ، وقدْ حُفَّت الجنَّةُ بالمكارهِ، وَحُفَّت النارُ بالشهواتِ.
وقدْ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ".
فالقضاءُ دائما ما يكون كُلُّهُ خَيْرٌ لِمَنْ قد أُعْطِيَ الصبر والشكرَ.
المعنى الثاني:
اللطيف هنا بمعنى الله اللطيف الذي يعمل علي تيسير أمور عباده، ويستجيب لدعائهم، فالله عز وجل هو المحسن لعباده في ستر وخفـــاء من حيث لا يعلمون.
فنعم الله تعالى على عباده ظاهرة وعديدة لا يمكن للعادين احصائها، ولا يمكن للجاحدين نكرانها.
فالله هو من يرزق عباده بفضله من حيث لا يعلمون: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}، وقال سبحانه: {اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}.
هذا ويحاسب الله المؤمنين بفضله ورحمته حساباً يسيراً، ويحاسب دونهم من المخالفين له وفق حكمته وعدله.
المعنى الثالث:
الله اللطيف هو الذي لطف عن أن يرى أو يُدرك، وهو كذلك لطف الحجاب لكمال الله عزوجل، فإنَّ الله سبحانه وتعالى لا يُرى بالدنيا حكمة، ولطفاً، ولكنه يُرى بالآخرة محبة، وإكراماً.
ولذلك قال تعالى عن رؤية الناس له جل جلاله في الدنيا: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، كما قال الله سبحانه: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ}.
وهوَ اللَّطِيفُ بِعَبْدِهِ وَلِعَبْدِهِ ... واللطفُ في أوصافِهِ نَوْعَانِ
إدراكُ أسرارِ الأمورِ بِخِبْرَةٍ ... واللطفُ عندَ مَوَاقِعِ الإحسانِ
فَيُرِيكَ عِزَّتَهُ وَيُبْدِي لُطْفَهُ ... والعبدُ في الغَفَلاتِ عنْ ذا الشَّانِ
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم:
أولاً: أنَّ الله عز وجل لا يفوته من العلم شيء، وإن دقَّ وصغُر أو خفي، وكان في مكان سحيق، قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.
فالله لا يخْفى عليه شيءٌ، ولا الخردلة وهي الحبَّة الصغيرة التي لا وزن لها فإنها ولو كانت في صخرةٍ في باطن الأرض أو في السموات، فإنَّ الله يأتِي بها، وهو اللَّطيف الخبير.
فهذا عِلمه سبحانه في الجمادات وحركاتها وسكناتها، أما علمه سبحانه في الطيور والحيوانات وسائر الخلائق، فإن الله تعالى قال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}.
فإذا كان هذا علْمه بالجمادات والطيور والحيوانات، فكيف بالمكلَّفين من الجن والإنس الذين لم يُخلَقوا إلا للعبادة؟ قال تعالى عنهم: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}، وقال سبحانه: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.
ثانياً: أنَّ العبد إذا علِم أن ربه متَّصف بدقَّة العلم وإحاطته بكل صغيرة وكبيرة، حاسَبَ نفسه على أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، والله تعالى يجازي العباد على أعمالهم، فالمحسن لا يَضيع من إحسانه مثقالُ ذرة، ولا المسيء يضيع من سيئاته مثقال ذرة، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}.
ثالثاً: أن الله تعالى مِنْ لُطفه بعباده يضاعف أجور المؤمنين، ويعفو ويتجاوَز عن ذنوب من شاء من عباده؛ قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}.
رابعاً: أنَّ الله لطيف بعباده، يريد لهم الخير واليُسر، ويقيض لهم أسباب الصلاح والبر، ومن لطفه بعباده أنه يسوق إليهم أرزاقهم، وما يحتاجونه في معاشهم، قال تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ}.