الثبات - اسلاميات
"تَشَوُّفُكَ إلى ما بَطَنَ فيكَ مِنَ العُيوبِ خَيْرٌ مِنْ تَشَوُّفِكَ إلى ما حُجِبَ عَنْكَ مِنَ الغُيوبِ"
للشيطان إلى قلوب الناس وسلوكهم وسائل متنوعة شتى، فله إلى التائهين الضالين البعيدين عن محجة الهداية، السبيل الذي يناسب حالهم، ويغلب أن يكون سبيله إليهم دفعهم إلى مزيد من المحرمات والموبقات، وإبعادهم عن جواذب الهداية وعن فرص اليقظة والانتباه، وله إلى الملتزمين جهد استطاعتهم بأوامر الله، من عامة الناس، سبيل آخر يناسب وضعهم الذي هم فيه، فهو لا يطمع منهم بالذي يطمعه من أولئك الضالين والتائهين، وإنما يضع أمامهم منزلقات أخرى لا تستبين لهم خطورتها، قد توصلهم في النهاية إلى حال الضالين من الفئة الأولى، وله إلى من كان يرون أنفسهم، يتبوؤن سدّة التوجيه والإرشاد، وقد أقامهم الله على ثغور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أسلحته ووسائله الأخرى التي تختلف عن وسائله في الحالين السابقين. ويغلب أن تكون وسيلته إلى هذه الفئة الثالثة، لفتَ النظر إلى ماله من مكانة وأهمية بين الناس، وينسج الشيطان لذلك أسباباً كثيرة متنوعة يضعها أمامه ويوحي بها إلى نفسه، من أهمها وأخطرها إبراز كل ما يمكن أن يكون دليلاً على مكانته وقربه من الله عز وجل، أمام المريدين وعامة الناظرين، كدعوى الكرامات والخوارق والأمور العجيبة التي يمكن أن تجري على يديه.
السالكون الصادقون إلى الله تعالى تصيبهم أمراض الغرور، والعجب، والشرك الخفي..
فتنسيهم العيوب وتنسيهم الواجبات، ويرون في أنفسهم الكمالات فيرضون عنها ويرون في غيرهم النقص فيحتقرونه ويزدرونه، وذلك هو الكبر.
فالإمام ابن عطاء الله بعد أن أعطانا نقطة الانطلاق الصحيحة، وطالبنا بأن تكون بدايتنا مشرقة، وأعطانا علامات الإشراق هذه البدايات، أراد أن يوقفنا قليلاً ليقول ثم لابدَّ من الحذر والانتباه لكل ما يدخل القلب وتصفيته من الشوائب.
وتصفية القلب يدخل فيها معان كثيرة، أولها أن يصفي الإنسان قلبه من عيوبه، والعيوب التي تصيب القلب البشري يوصلها أهل السلوك إلى مائة عيب تقريباً، لكن ليس شرطاً أن يبتلي القلب البشري بها كلها، فلكل بيئة عيوبها وأمراضها، فبعض البيئات ينبت فيها الحسد، وبعضها ينبت فيها العجب، وبعضها الحقد ... إلخ.
وفي الحديث: "لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطرقات ولكن ساعة وساعة".
وتطلعك بعين البصيرة إلى ما بطن أي خفي فيك من العيوب والأمراض القلبية كالكبر والحقد والعجب والرياء والسمعة والمداهنة وحب الرياسة والجاه ونحو ذلك حتى تتوجه همتك إلى زوال ذلك بالرياضة والمجاهدة خصوصاً على يد شيخ عارف بعيوب النفس وأدويتها خير لك من تطلعك إلى ما حجب عنك من الغيوب أي ما غاب عنك كالأسرار الإلهية والكرامات الكونية لأنَّ هذا حظ نفسك وذلك واجب عليك لربك، فإن نفسك تطلب الكرامة ومولاك مطالبك بالاستقامة ولأن تكون بحق مولاك خير من أن تكون بحظ نفسك وهواك. وهذه الحكمة عمدة في طريق القوم فطهر نفسك من أنواع الرذائل قبل أن يتوجه إليها اللوم.
فالصادق ينشغل بعيوب نفسه ويسعى لإصلاحها ولا ينشغل بعيوب الآخرين.