الثبات - إسلاميات
دور المرأة في الهجرة النبوية
منذ نزول الوحي على نبينا محمد ﷺ أول مرة في غار حراء؛ لم تكن المرأة في معزل عنه، ولم تكن مستبعدة على مدى التاريخ الإسلامي المشرق من المبادرة أو المشاركة في مسيرة الأمة بكل أحداثها. وإذا تتبعنا دور المرأة منذ بداية الوحي فإننا نلمحه واضحًا بلا غموض، والهجرة النبوية على وجه الخصوص يتضح فيها ذلك:
- في الهجرة نجد أن الزوجات لم يفارقن أزواجهن: بل صاحبْنهم متحملات معهم مفارقة الأهل والعشيرة، وصعوبة الرحلة ومشاقّ الطريق.
- يصل إصرار المرأة على الهجرة بدينها مداه حين تتكرر الهجرة: مرة إلى الحبشة وأخرى إلى المدينة، فأول من قدم المدينة مهاجرًا أبو سلمة المخزومي وزوجته أم سلمة رضي الله عنهما، وحين حيل بينها وبين الهجرة يذكر لنا التاريخ صفحة مشرفة يندر أن تتكرر في إصرارها على اللحاق بزوجها فتخرج كل يوم إلى أطراف مكة تستشرف من يرافقها في هجرتها، وأمام إصرارها يرقُّ لها من لا يزال على كفره فيصحبها في هذه الرحلة الطويلة حتى يبلغها مأمنها، وهذا الإصرار العجيب نجده في زوج عامر بن ربيعة فقد هاجرت مرة إلى الحبشة بصحبته وأخرى إلى المدينة.
- لم يعلم بهجرة الرسول ﷺ إلا علي و أبو بكر وابنتاه أسماء وعائشة رضي الله عنهم: ومن ذلك نستنتج أنه جعل أسماء وعائشة رضي الله عنهما محلَّ ثقته وسره ولم يخشَ منهما على أمر الهجرة، وهو أعظم حدث في تاريخ الإسلام بدليل أنه لم يتحدث مع أبي بكر رضي الله عنه في أمر الهجرة إلا بعد معرفته بأنهما وحدهما الموجودتان عنده، وإلا لأخرجهما من البيت لينفرد بالسر هو وأبو بكر وحدهما، وهذا في حد ذاته دليل دامغ ندفع به من يتصنعون الخوف على الدعوة والحركة فيستبعدون العنصر النسائي كما لو كان شراً مستطيراً ستضيع به الدعوة، وتهلك به العصبة.
- لم يتوقف دور المرأة على مجرد العلم وكتمان السر: إذ يقف نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام على باب أبي بكر رضي الله عنه فتخرج إليهم أسماء رضي الله عنها، وعندما يستفسرون عن أبيها تنكر معرفتها وتأبى أن تجيبهم إلى ما يريدون، وكان أبو جهل فاحشاً خبيثاً إذ يلطم خدها لطمة تطرح منها قرطها ولا تبالي.
- ولما كانت الرحلة طويلة، فإنها تحتاج إلى إعداد وتجهيز، ومَن غير المرأة يجيد هذا الدور؟ لقد دفع أبو بكر رضي الله عنه بالراحلتين اللتين أعدَّهما للهجرة إلى أسماء وعائشة رضي الله عنهما فجهزتاهما أحثّ الجهاز، إذ صنعتا لهما سفرة في جراب وقطعت أسماء رضي الله عنها قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها.
- وإذا كان الرحل سيمكث على أطراف مكة ثلاث ليال فإن التاريخ لم يجهل دور المرأة: ولم تقف هي بإيجابيتها إلى هذا الحد فقد ينفد الزاد وهنا لا بدَّ أن يستمر دور المرأة ولا يتجمد في أي مرحلة من مراحل الدعوة مهما كان حجم هذا الدور ومهما كانت طبيعة المرحلة، وهنا تكون المرأة أقدر على تأمين الزاد وهو دور يناسبها كامرأة كما ناسب أخاها عبد الله نقل الأخبار إذ هو بطبيعته أقدر، ومن ثم فإننا لا نستطيع أن نمر دون الإشارة إلى شخصية أسماء العجيبة رضي الله عنها وهي الأنثى الحامل في شهورها الأخيرة، تصعد الجبل الذي يعجز المسلم العادي صعوده. هذه هي المرأة في حدث واحد من أحداث الإسلام الكبرى والأخطر في مسيرته ومرحلته؛ حتى تكون نظرته متوازنة فلا يكون هناك إفراط في الانطلاق بها دون مراعاة لقدراتها ومناسبة المناط بها لهذه القدرات، ولا يكون هناك تفريط في الجمود بها عن أداء دور بحيث يصل إلى التهميش وربما الإسقاط والإلغاء فتكون العاقبة؛ تجهيل يؤخر ولا يقدم، بل يعطل ويعوق.
وأخيراً: لا خير في أي تشدد يخالف منهج النبوة في إعطاء المرأة مكانتها ودورها في الحياة والدعوة.