الثبات - إسلاميات
مظاهر الوحدة الإسلامية في الحج
الوحدة الإسلامية جانب من جوانب الحج، في الحج تذوب الفوارق، وتتلاشى الحواجز، ويجتمع المسلمون في مشهد جليل، يبعث على السرور، ويسعد النفوس ويبهج الأرواح.. هنا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر.. هنا يجتمع ضيوف الرحمن في رحلة إيمانية يكتمل بها خامس أركان الإسلام.. الجميع هنا لبّوا نداء الحق للخليل إبراهيم: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.. إنه الحج الذي يعطي صورة حقيقية لوحدة الأمة الإسلامية في أروع صورها فالمسلمون من كل أنحاء العالم يجتمعون في مكان الحج، ويؤدون معاً مناسكه؛ فهو الاجتماع الديني العالمي للمسلمين، وهوَ ركنٌ من أركان الإسلام لِمن استطاع لهُ سبيلاً، وللحجّ ثمرات كثيرة ومظاهر يتميز بها الحج عن غيره من العبادات.
تتزامن أيام الحج من كل عام بشوق وحنين من كل أنحاء العالم الإسلامي لكي تسجد على أعتاب الحب والتقديس بجوار بيت المعبود والتقرب ويلتقون إخوانهم الأبعدين من أقصى أنحاء العالم، ويستشعرون عظمة الأمة الإسلامية في نموذج حي ومتجسّد.
في الحجّ يظهر للعالم أجمع كيف أنَّ الإسلام استطاع من خلال شعائره وعباداته أن يجمع المُسلمين ويوحدهُم ومن أبرز هذهِ المظاهر:
-اجتماعهُم في ميقاتٍ زمانيّ واحد وميقاتٍ مكانيّ واحد، وهذا من أُصول الحجّ، حيث يكون في وقت مُحدّد في شهر ذي الحِجّة
-لباس الإحرام الموحّد بينَ جميعِ المُسلمين الذين توجّهوا لأداء فريضة الحجّ هوَ دليل اتّصافهم بالوحدة في اللباس فلا يوجد لباس للملك أو المملوك أو الغنيّ والفقير فكُلّهم سواسية يلبسونَ الأبيض من الثياب التي تخلو من المخيط والزركشات والزينة، ولباسهُم من قطعتين هُما الإزار والرداء، ولا يضعونَ الطِيب والعُطور فلا تجد أحدهُم قد تميّز بطيبه أو بعطره فهُم مُتحدون في مظاهرهم وحتّى في بواطنهم يُريدون الإخلاص لله وحده وهذا الاتّحاد في المظهر والجوهر هوَ معلم من معالم الوِحدة في الحجّ.
-اجتماع الحُجّاج في جبل عرفات يوم الحجّ الأكبر في صعيدٍ واحد وفي زمانٍ واحد، وكذلكَ الأمر في بقيّة المنازل الأُخرى من منازل الحجّ كمزدلفة ومنى وأيّام الجمار، هوَ اتّحادٌ لهُم في شعائر تعبّدية تجعلُهُم في وِحدةٍ بينهم فهُم مُشتركونَ في أداء هذهِ الفريضة العظيمة بكلّ أركانها وواجباتها وشروطها.
-يحرُم على الحاجّ أن يحلق شعره أو يقص أظافره أو أن يصيدَ، ويحرُم عليهِ أن يُغطّي رأسه أو أن يعقد عقد زواج أو أن يطأ زوجته أو يرفث ويفسق وهذا يشترك فيه كُلّ من قصد الحجّ، فهُم سواسية في الأمر والنهي وسواسية في امتثال الأمر لهُم ما لهُم وعليهِم ما عليهِم.
و أسرار الحج ورموزه أكثر من أن يمكن ذكرها في كلمة واحدة، ولكن يمكن ملاحظة خصوصيته البارزة منذ النظرة الأولى، فالحج هو الفريضة الوحيدة التي يدعو الله لأدائها جميع المسلمين – من استطاع منهم – إلى مكان واحد من كافة أنحاء العالم و من خلوات بيوتهم و معابدهم، ويربطهم في أيام معدودات بمختلف مساعيهم وحركاتهم وسكناتهم وقيامهم وقعودهم.
حينما يتوجّه قسم من الشعب باتجاه معين وفي سفر واحد نحو هدف فسوف يزداد تقاربهم بالتأكيد ويرتفع مستواهم المعنوي والأخلاقي الوطني والدولي أيضاً. فالشعوب إلى جانب قواسمها المشتركة لها فوارقها وتبايناتها التي تفصل بينها وقد تخلق دوافع عدوانية بينها، ومن شأن الحج أن يؤدي إلى تقليل هذه الفوارق، وتكريس نقاط الاشتراك والاتحاد بين مختلف الشعوب. لذلك ليس لدينا أية فريضة بهذه الأبعاد الواسعة والعظيمة.
فالحج من أهدافه التقريب بين المسلمين في العالم وإيصال أصواتهم إلى بعضهم. الرابطة التي تربط كل هذه القلوب ببعضها هي الرسالة التي ارتفع هتافها لأول مرة من هذه الأرض وجابت طول العالم والتاريخ وعرضهما.. رسالة التوحيد والوحدة. توحيد الله ووحدة الأمة، والوحدة مظهر عزة المسلمين واقتدارهم.
وهذا هو النظام العظيم الذي قام بواسطة آلاف السنين من التاريخ، ولو كان في المسلمين شعور حقيقي فأخذوا من الحج الدرس الذي يهدف إليه هذا النظام العظيم لوقعت النهضة الحقة في حياة المسلمين، ولانضم كل فرد منهم إلى هذه الهيئة العالمية الاجتماعية المقدسة.. والحقيقة هي أن الكعبة رمز توحيد المسلمين على وجه الأرض.