الثبات - اسلاميات
العالم الرباني الشيخ يوسف النبهاني رضوان الله عليه
مما يؤكد عليه علماء الاجتماع أهمية القدوة الحسنة لتربية النفوس والأجيال، فالقدوة الحسنة هي الشمس اللتي تنير الطريق للأجيال، وفي مجال التدين نحن بأمس الحاجة لأبراز الرجال المحمدين الذين اتبعوا منهج النبوة السمحة، لذلك نقف اليوم مع رجل محمدي وإمام رباني صار قبلة للمحبين العاشقين هو المحب الفاني الشيخ يوسف النبهاني.
اسمه ونسبه:
يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن إسماعيل بن محمد ناصر الدين النبهاني، القاضي الفقيه الصوفي، والشاعر الأديب، المكثر من مدائح رسول الله محمد تأليفاً ونقلاً وروايةً وإنشاءً وتدويناً، (1265- 1350هـ = 1849- 1932م). ونسبته إلى بنى نبهان من عرب البادية بفلسطين، استوطنوا قرية إجزِم -وولد فيها- التابعة لحيفا في شمالي فلسطين. تعلم بالأزهر الشريف بمصر (سنة 1283- 1289هـ)، وتلقى فيها على أكابر علماء الأزهر. تولى نيابة القضاء في قضية جنين من أعمال نابلس، ثم سافر إلى الآستانة، واشتغل بالتحرير في جريدة الجوائب، وتصحيح الكتب العربية، ثم عين قاضياً في كوي سنجق الكردية، ثم رئيساً لمحكمة الجزاء باللاذقية، ثم محكمة الجزاء بالقدس، ثم رقى إلى رئاسة محكمة الحقوق ببيروت، ولما أحيل للتقاعد سافر إلى المدينة المنورة، فجاور بها مدة، ثم عاد إلى بلاده وبقى فيها حتى توفي سنة 1932 م.
طلبه للعلم:
يحكي النبهانى عن نفسه فيقول: ((ولدت في قرية اجْزِمْ سنة خمس وستين تقريبا، وقرأت القرآن على سيدى ووالدى الشيخ الصالح الحافظ المتقن لكتاب الله الشيخ إسماعيل النبهانى، وهو الآن في عشر الثمانين كامل الحواس قوى البنية جيد الصحة، مستغرق أكثر أوقاته في طاعة الله، كان ورده في كل يوم وليلة ثلث القرآن، ثم صار يختم في كل أسبوع ثلاث ختمات، والحمد لله على ذلك، {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}، ثم أرسلنى وجزاه عنى أحسن الجزاء إلى مصر لطلب العلم، فدخلت الجامع الأزهر يوم السبت غرة محرم الحرام افتتاح سنة ثلاث وثمانين بعد المائتين والألف، وأقمت فيه إلى رجب سنة تسع وثمانين، وفى هذه المدة أخذت ما قدره الله لى من العلوم الشرعية ووسائلها، عن أساتذة الشيوخ المحققين، وجهابذة العلماء الراسخين، من لو انفرد كل واحد منهم في إقليم، لكان قائد أهله إلى جنة النعيم، وكفاهم عن كل ما عداه في جميع العلوم، وما يحتاجون إليه من منطوق ومفهوم، أحدهم بل أوحدهم الأستاذ العلامة المحقق والملاذ الفهامة المدقق، شيخ المشايخ وأستاذ الأساتذة سيدى الشيخ إبراهيم السقا الشافعي المتوفى سنة ألف ومائتين وثمان وتسعين عن نحو التسعين سنة، وقد قضى هذا العمر المبارك الطويل في قراءة الدروس، حتى صار أكثر علماء العصر تلاميذه إما بالذات أو بالواسطة، لازمت دروسه ثلاث سنوات، وقرأت عليه شرحى التحرير والمنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري بحاشيتيهما للشرقاوى والبجيرمى، وقد أجازنى بإجازة فائقة وهي هذه بحروفها – فذكرها وستأتى بتمامها - ومن أشياخى المذكورين سيدى الشيخ المعمر العلامة السيد محمد الدمنهورى الشافعي المتوفى سنة ألف ومائتين وست وثمانين عن نحو التسعين سنة، وسيدى العلامة الشيخ إبراهيم الزرو الخليلى الشافعي المتوفى سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين عن نحو السبعين، وسيدى العلامة الشيخ أحمد الأجهورى الضرير الشافعي المتوفى سنة ألف ومائتين وثلاث وتسعين عن نحو الستين، وسيدى العلامة الشيخ حسن العدوى المالكي المتوفى سنة ألف ومائتين وثمان وتسعين عن نحو الثمانين، وسيدى العلامة الشيخ السيد عبد الهادي نجا الأبيارى المتوفى سنة ألف وثلاثمائة وخمس وقد أناف على السبعين، رحمهم الله أجمعين، وجمعنى بهم في مستقر رحمته بجاه سيد المرسلين. ومنهم وحيد مصر وفريد هذا العصر سيدى العلامة الشيخ شمس الدين محمد الإنبابى الشافعي شيخ الجامع الأزهر الآن، لازمت دروسه سنتين في شرحى الغاية لابن قاسم والخطيب وفى غيرهما، وسيدى العلامة الشيخ عبد الرحمن الشربينى الشافعي، وسيدى العلامة الشيخ عبد القادر الرافعى الحنفي الطرابلسى شيخ رواق الشوام، وسيدى العلامة الشيخ يوسف البرقاوى الحنبلي شيخ رواق الحنابلة حفظهم الله وأطال أعمارهم وأدام النفع بعلومهم. ولى شيوخ غيرهم، منهم من هو موجود الآن، ومنهم من قد دخل في خبر كان، وكلهم علماء أعلام، جزاهم الله عنى خيراً وجمعنى بهم في دار الكرامة والسلام))
شيوخه:
يذكر صاحب كتاب "الأعلام الشرقية" شيوخ النبهانى فيضيف إلى بعض من تقدم شيوخه من أعلام العلماء في الشام ومصر، كما يذكر شيوخه في طريق التصوف، فيقول:
(الشيخ محمد الدمنهوري،أبى المعالي السقا، محمد الإنبابي،محمود الحمزاوي،أبو الخير بن عابدين)
وأخذ طريق التصوف عن عدد من العلماء:
الطريقة الإدريسية، أخذها عن الشيخ إسماعيل النواب.
الطريقة الشاذلية، أخذها عن محمد بن مسعود الفاسي، وعلي نور الدين اليشرطي.
الطريقة النقشبندية، أخذها عن إمداد الله الفاروقي، وغياث الدين الإربلي.
الطريقة القادرية، أخذها عن حسن بن أبي حلاوة الغزي.
الطريقة الرفاعية، أخذها عن عبد القادر بن أبي رباح الدجاني اليافي.
الطريقة الخلوتية، أخذها عن حسن رضوان الصعيدي.
عبادته:
قال الشيخ الشنقيطى المتوفى سنة 1363 هـ (وقد معاصرا للنبهاني، وكتب ترجمته): أما عبادة الشيخ المؤلف فقد شاهدت منها بالمدينة المنورة ما لا يتفق إلا لمن خرق الله له العادة من أوليائه وأصفيائه، وقد مات في بيروت في أوائل شهر رمضان من سنة 1350 هجرية. وهو على عادته في ملازمة أداء الفرائض مع كثرة النوافل، والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وكان نور العبادة والاتباع للسنة ظاهرا على وجهه المستنير. تقبل الله منا ومنه وحشرنا في زمرة شفيع المذنبين، رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين
مكانته عند العلماء:
قال البيطار صاحب حلية البشر : هذا الإمام، والشهم الأديب الهمام، قد طلعت فضائل محاسنه طلوع النجوم الزواهر، وسعدت مطالع شمائله بآدابه المعجبة البواهر، فهو الألمعى المشهود له بقوة الإدراك، واللوذعى المستوى مقامه على ذروة الأفلاك، وله ذكاء أحد من السيف إذا تجرد من قرابه، وفكر إذا أراد البحر أن يحكيه وقع في اضطرابه، ونثر يزرى بالعقد الثمين والدر المنثور، وشعر يدل على كمال الإدراك وتمام الشعور، فهو فارس ميدان اليراع والصفاح، وصاحب الرماح الخطية والأقلام الفصاح، فلعمرى لقد أصبح في الفضل وحيدا، ولم تجد عنه النباهة محيصاً ولا محيدا، وناهيك بمحاسن قلدها، ومناقب أثبتها وخلدها، إذا تليت في المجامع، اهتزت لها الأعطاف وتشنفت المسامع. ومن جملة آثاره، الدالة على علوه وفخاره، تآليفه الشريفة.
مؤلفاته:
يقول الحافظ محمد حبيب الله بن مايابى الشنقيطي : أما مصنفاته فهي كثيرة جدا، وجلها أو كلها في الحديث ومتعلقاته: كالسيرة النبوية والمديح، وعلم الأسانيد، وتراجم أعيان علماء الأمة، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وتدوين المدائح التي مدحه بها أو مدحه بها غيره من الأقدمين والمتأخرىن، من سائر أهل المذاهب الأربعة وأكابر المحدثين. فمن كتبه:
إتحاف المسلم بإتحاف الترهيب والترغيب من البخاري ومسلم.
الأحاديث الأربعين في أمثال أفصح العالمين.
أفضل الصلوات على سيد السادات.
الأنوار المحمدية، اختصر به المواهب اللدنية للقسطلانى.
الاستغاثة الكبرى بأسماء الله الحسنى.
جامع كرامات الأولياء مجلدان.
القصيدة الرائية الصغرى في ذم البدعة (الوهابية) ومدح السنة الغراء.
وفاته:
توفي يوسف النبهاني في شهر رمضان لسنة 1350هـ - 1932م في قرية إجزم.
المصدر
الأعلام للزركلى (8/218).