الثبات - إسلاميات
"شتان بين ما يستدل به وما يستدل عليه، والمستدل به عرف الحق لأهله فأثبت الأمر من وجود أصله، والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه، وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه، ومتى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه"
نقف اليوم مع حكمة من حكم الإمام ابن عطاء السكندري رضي الله عنه، وهو يتحدث عن الاستدلال على أهم وأوضح حقيقة في هذا الكون وهي حقيقة وجود الإله الخالق لهذا الكون.
حين يؤمن الإنسان بوجود الخالق لهذا الكون، إما أن يستدل على ذلك بالخالق نفسه سبحانه وتعالى، وإما أن يستدل على وجود الخالق بما خلقه من مخلوقات، ومن الآثار التي تدل على أنَّه الخالق ما ذكره الأعرابي الذي قال: "البعرة تدل على البعير.. وأثر السير يدل على المسير.. فسماء ذات أبراج.. وأرض ذات فجاج.. ألا تدل على العليم الخبير.. فهذا استدل على وجود على الخالق بما خلقه سبحانه من أرض وسماء وبحار وغيرها".
وهذا منهج مقبول ولا حرج فيه وقد اشتغل فيه كثير من علمائنا الكبار وأقاموا الحجج القوية والبينة على ذلك.
لكن ما نبه إليه الإمام في هذه الحكمة أنَّ الاستدلال هذا استدلال من الأدنى (الأكوان) للأعلى (الإله)، ونبه أنَّ المقام الأعلى أن الله تعالى لم يغب حتى تستدل عليه فهو سبحانه حاضر معنى في كل حال ونفس
فهو سبحانه أظهر من كل شيء ولا يحتاج لدليل إلا لذوي العقول المريضة ومن لا يرى الحق، فالشمس وهي أحد مخلوقاته لا تحتاج لدليل يدل على وجودها، أفيكون خالقها يحتاج لدليل؟؟؟
أيكون لمخلوقاته من الظهور ما ليس له؟
أيكون للمعدوم الذي يفتقر لإمداد الله له من الظهور والوجود ما لا يحتاج معه لدليل ويحتاج ذلك خالق الكون سبحانه.
وهذان الأمران فرق بينهما كبير، فالذي يستدل على وجود الله بمخلوقاته هم، المحجوبون بسحب الآثار، ومن يستدلون عليه به هم الواصلون إليه.
فهو سبحانه الحق، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم.
كتاب الكون يسري في عظامي فيحيني وتشرق منه نفسي
جرى بمعاني الآيات هديا وعانق خد أقلامي وطرسي
تدبرت الوجود فذقت شهدا أزال غشاوتي وأذاب يأسي
وبلغني المراد بيسر جهد ولم يبقي على كدري ونحسي
ملكت معاقد الدنا بكفي وقلبي للإله وكل حسـي.