الثبات ـ إسلاميات
كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي أظهر كل شيء؟
نواصل الإبحار في بحر الحكم العطائية، وهي مجموعة من الكلام البليغ لأوسع المعاني بأقل العبارات مستخلصة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تتحدث عن تزكية النفس والارتقاء بها في مدارج الكمال والسمو.
اليوم نغوص في سؤال الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري ـ رحمه الله ورضي عنه: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي أظهر كل شيء؟
بداية ارفع أيها المريد عنك هذا الحجاب، واجعل تعلقك برب الأرباب. فإن كل شيء هالك إلا وجهه. ولا يضمن لك الوصول إلى الله إلا هذه الوجهة ..
كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي أظهر كل شيء؟
كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي ظهر بكل شيء؟
كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي ظهر في كل شيء؟
كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي ظهر لكل شيء؟
كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الظاهرُ قبل وجود كل شيء؟
كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو أظْهَرُ من كل شيء؟
كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الواحد الذي ليس معه شيء؟
كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو أقرب إليك من كل شيء؟
كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ ولولاه ما كان وجودُ كل شيء؟
يا عجباً كيف يَظْهَرُ الوجودُ في العَدَم؟ أم كيف يثبت الحادثُ مع مَنْ له وصْفُ القِدَم؟
بين المصنف في هذه الحكمة الأدلة التي تدل على أنه سبحانه لا يحتجب بالأكوان، وأتى بها على وجه استبعاد أن يتصور ذلك في الأذهان، فقال: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي أظهر كل شيء حيث إنه هو الذي أوجده بعد العدم، وما كان وجوده متوقفاً عليه لا يصح أن يحجبه، وقوله: ظهر بكل شيء، أي من حيث أن كل شيء يدل عليه، فإن الأثر يدل على المؤثر، وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد.
قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَق﴾ (53) فصلت.
وقولُه: ظهر في كل شيء، أي من حيث أن الأشياء كلها مجالي ومظاهر لمعاني أسمائه، فيظهر في أهل العزة معنى كونه معزا، وفي أهل الذّلة معنى كونه مذلا، وهكذ... وقولُه: ظهر لكل شيء، أي تجلى لكل شيء حتى عرفه وسبحه. كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُون﴾ (44) الإسراء.
وقولُه: وهو الظاهر قبل وجود كل شيء، أي فهو الذي وجوده أزلي وأبدي، فوجوده ذاتي، والذاتي أقوى من العَرَضي، فلا يصح أن يكون حاجباً له.
وقولُه: وهو أظهر من كل شيء، أي لأن الظهور المطلق أقوى من المقيد، وإنما لم يُدْرك للعقول مع شدة ظهوره لأن شدة الظهور لا يطيقها الضعفاء، كالخفاش يبصر بالليل دون النهار لضعف بصره لا لخفاء النهار، على حد ما قيل:
ما ضرَّ شمسَ الضحى في الأُفْقِ طالعةً أنْ لا يرى ضوءَها مَنْ ليس ذا بصـر