الضجر عند الإنسان وعلاجه

الخميس 03 كانون الأول , 2020 01:11 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - مقالات 

 

 الضجر عند الإنسان وعلاجه

 

عن السيدة خولة بنت قيس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ابنُ آدمَ إنْ أصابه بَرْدٌ قال: حَسِّ وإنْ أصابه حَرٌّ قال: حَسِّ" - رواه الإمام أحمد في المسند-

شرح الحديث: قوله: "ابنُ آدمَ إنْ أصابه بَرْدٌ قال: حَسِّ" بكسر الحاء المهملة وشد السين المهملة، يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضّه وأحرقه غفلة كجمرة وضربه كأوّه، قوله: "وإنْ أصابه حَرٌّ قال: حَسِّ"، يعني: من قلقه وجزعه، أنه إن أصابه الحرّ تألم و تشوش و تضجر وقلق، و إن أصابه البرد فكذلك؛ ومن ثمّ قال امرئ القيس :

يتمنّى المرءُ في الصّيفِ الشِّتَا ... فإذا جاء الشّتاءُ أنكرَه

فهو لا يرضى بحالٍ واحدٍ ... قُتل الإنسانُ ما أكفره

فيض القدير شرح الجامع الصغير للإمام المناوي رضي الله عنه .

وقال الإمام الصنعاني رضي الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم: "ابنُ آدمَ إنْ أصابه بَرْدٌ قال: حَسِّ"، بالحاء المهملة المفتوحة و السين؛ وفي الشرح: المكسور والسين المهملة، كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مَضَّه أو أحرقه غفلة كالجمرة أو الضربة، أفاده في النهاية، وليست هذه الكلمة باسم و لا فعل بل صوت كالأنين الحادث عند المرض ، قوله صلى الله عليه وسلم: "وإنْ أصابه حَرٌّ قال: حَسِّ" أي: فهو يتوجع من الأمرين الحر والبرد، وهو إعلام بأن هذا طبعه وليس فيه نهي إلا أن يدعي أن السياق يفيده .... ثم ذكر البيتين كالإمام المناوي .

التنوير شرح الجامع الصغير للإمام الصنعاني، قال سيدنا ابن منظور في لسان العرب: (و"حَسِّ" بفتح الحاء وكسر السين وترك التنوين، كلمة تقال عند الألم) قوله: (حسّ) كلمة تقال عند الألم المفاجئ، يقال: ضرب فما قال: حس، وقد تنون.

قال ناقله عفا الله عنه: وفي الحديث دليل على أن من طبيعة الإنسان التضجر والملل من حالة واحدة، ولو كان على حالة طيبة إلا من رحم الله تعالى، ولقد أحسن من قال:

صغيرٌ يطلب الكِبَرا ... وشيخٌ ودّ لو صَغُرا

وخالٍ يشتهي عملاً ... وذو عملٍ به ضَجَرا

وربُّ المالٍ في تَعبٍ ... وفي تَعبِ مَن افتقرا

ويشقى المرء منهزماً ... ولا يرتاح منتصرا

ويبغي المجدَ في لهفٍ ... فإن يَظفر به فَتَرا  

 

وأصدق من هذا وذاك رب العالمين الذي خلق هذا الإنسان أعلم به : (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)؛ (الآية: ١٤) من سورة الملك، قال عنه في كتابه العزيز: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً؛ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً؛ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً؛ إِلَّا الْمُصَلِّينَ) (الآيات: ١٩ - ٢٢) من سورة المعارج.

قال الإمام القرطبي في تفسيره: وقد هلع (بالكسر) يهلع فهو هليع وهلوع؛ على التكثير. و المعنى: أنه لا يصبر على خير و لا شر حتى يفعل فيهما ما لا ينبغ، وهذا الوصف للإنسان من حيث هو و صف طبيعته الأصلية، أنه هلوع .

وفسر الهلوع بقوله سبحانه: (إذا مسه الشر جزوعا) فيجزع إن أصابه فقر أو مرض، أو ذهاب محبوب له، من مال أو أهل أو ولد، و لا يستعمل في ذلك الصبر و الرضا بما قضى الله سبحانه .

و بقوله سبحانه: (و إذا مسه الخير منوعا) فلا ينفق مما آتاه الله، ولا يشكر الله على نعمه وبره، فيجزع في الضراء، و يمنع في السراء .

واستثنى سبحانه (إلا المصلين) الموصوفين بتلك الأوصاف فإنهم إذا مسهم الخير شكروا الله، و أنفقوا مما خولهم الله، و إذا مسهم الشر صبروا و احتسبوا .

 

إذا كانت طبيعة الإنسان هكذا فما العمل إذن؟

الجواب: العمل بقول أحكم الحاكمين: (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَ كُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) (الآية: ١٤٤) من سورة الأعراف؛ و اكتف و ارض بما آتاك الله من مال و زوجة و ولد و مسكن، و لا تنظر إلى من هو فوقك في أمور الدنيا، و انظر إلى من هو دونك، فبه تعرف قدر نعمة الله عليك، و تكون من المفلحين في الدنيا و الآخرة .

قال عليه الصلاة و السلام: "قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَ رُزِقَ كَفَافًا، وَ قَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ" أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .

و الله ولي التوفيق وصلّ اللهم و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .

 

 

إعداد : الشيخ يوسف الغوش.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل