الإبتزاز يحاصر اللبنانيين ـ عدنان الساحلي

الجمعة 23 تشرين الأول , 2020 11:03 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يتعرض اللبنانيون للإبتزاز من كل  جانب ومن كل له سلطة عليهم، في الداخل والخارج. وينوؤن تحت أعباء وأساليب هذا الإبتزاز، الذي يستهدفهم من الأقوياء حكاماً كانوا أو طالبي حكم. وكذلك من كل من له شرط أومطلب يريد تحصيله منهم أو من بلدهم، الذي يقرّ حكامه ومحكوميه بأنه يفتقد لوجود دولة ونظام حقيقيين، باستثناء ما نسميه سلطة النهب المنظم التي تتبادل الأدوار والمواقع، بين وقت وآخر، لتسلب تعب وعرق اللبنانيين ،الذين لا يخفون أنهم يودعون الشبعان ويستقبلون الجائع، كلما حدث تغيير حكومي أو نيابي في بلدهم، منذ أن أصبح دولة مفتعلة على أيدي المستعمر الفرنسي، الذي لم ينس رعايته لمزرعة الطوائف التي صنعتها يداه، فجاء رئيسه مانويل ماكرون يهدد مستثمري المزرعة بالويل والثبور؛ وأن يحسنوا إدارتهم لها بعدما وصلت أصداء الفوضى فيها إلى قصر "الأليزيه" في باريس الفرنسية.

لا يكفي اللبنانيين حالة الإبتزاز التي تنقض عليهم لإنتزاع قبولهم بالشروط الأميركية والمطالب "الإسرائيلية"، بالإصطفاف في طابور المنبطحين العرب أمام العدوانية الصهيونية، بل يراد لهم أن يقدموا لهذا العدو ما يرضيه من أرض وثروات طبيعية، إضافة إلى طقوس الخضوع والطاعة، من ضمن ما يسمى "صفقة القرن". وإلا فإن لبنان سيبقى تحت سيف العقوبات ألأميركية وحالة الإفقار والتجويع، التي باتت سياسة معتمدة تجاه اللبنانيين، طالما هم متمسكون بفكرة ومشروع مقاومة هذا العدو التوسعي، الذي إغتصب فلسطين من شعبها ويهدد كل جوارها العربي، تحت شعار "أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل".

والأنكى في هذا الفجور الأميركي، أن بعض البلدان العربية التي تدور في الفلك الأميركي وتعيش في ظل الحماية الأميركية وضمناً "الإسرائيلية"، تبتز لبنان لكي يماشي خياراتها الخيانية؛ وإلا فإنه يحرم وقد حرم فعلاً، من أبواب العون والمساعدات التي كان يحصل عليها منها. وهكذا يؤدي هذا الإبتزاز إلى ترك لبنان ضحية للأزمات التي تفتعل له من قبل حكامه بالدرجة الأولى، لإخضاع شعبه إلى ما لا يمكن أن يقبل به في ظروف عادية.  

ويطبق النافذون والحاكمون في الداخل، بقبضات إبتزازهم على أعناق البلد والناس بأساليب الإبتزاز المختلفة، حيث يقوم زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، المتحالفين لنهب آخر قرش في جيوب هذا الشعب، بدفع البلد والناس إلى مشاكل وحروب أهلية داخلية، تحت أسباب وغايات تافهة، لإبقاء الشعب مقسم ومفتت، بما يضمن بقاء تحكمهم وتسلطهم عليه وعلى خياراته وخيراته. ومن لا يقبل الإنضمام إلى صفوف "القطيع" الطائفي والمناطقي، يحرم من خيرات الدولة ومن جميع الحقوق التي يتيحها له إنتماؤه الوطني. وهكذا يكون حكامنا أساتذة على الأميركان في تطبيق قانون قيصر، في معاقبة المواطن اللبناني المتمرد على مصالحهم وأوامرهم.

وفي هذه الأجواء من الإبتزاز، رشح سعد الحريري نفسه ليشكل حكومة جديدة، يريد أن يكون فيها الحاكم بأمره والسياسي الوحيد فيها. مستلهماً سياسة أل سعود الذين عاش وتربى بينهم، حيث يملكون الأرض ومن عليها. فهو يريد أن يحكم لبنان مثل أي أمير سعودي متسلط على منطقة معينة في شبه الجزيرة العربية. وإلا فإن الأزمات الإقتصادية والمالية الخانقة ستبقى تضغط على لبنان؛ والتي حصلت بفعل سياسات حكومات والده سابقاً وحكوماته هو مع من حالفه لاحقاً. والحريري كما بات بادياً يكرر سياسة والده التي أوصلته إلى السرايا الحكومي، فهو يلعب بسعر العملة الوطنية ويسقط قيمتها أمام الدولار الأميركي، بالتكافل والتضامن مع زعماء الطوائف وأصحاب المصارف. وعندما يحقق مراده، يمنن اللبنانيين بتجميد سعر صرف العملة عند حد وسطي أدنى من سعر المضاربة الذي رسمت عليه خلال عملية إبتزازه للبنانيين، على غرار ما حصل عام 1992. أما إذا لم يحقق الحريري غايته، فإضافة إلى افقار وتجويع اللبنانيين بلعبة الدولار وبسطو المصارف على أموال المودعين وتهريبها إلى الخارج، فإن قطاع الطرق من أزلامه يقفلون الطرقات على الناس ويعطلون حركتهم وسعيهم نحو تحصيل أرزاقهم. فهل هناك إبتزاز أوضح وأوقح من هذا؟

ولا يقتصر أمر الإبتزاز على الحريري وحده، فكل مرشح لرئاسة الجمهورية في لبنان، بات "يستلهم" من تجربة بشير الجميل التي تسببت بالجزء الكبير من خراب لبنان. وكل من يريد الوصول إلى الرئاسة الأولى يسعى لأن يكون المرشح الأوحد والأقوى، كما فعل بشير وكما فعل الحريري مؤخراً، فيحتكر الترشح ويمنعه عن الآخرين ويحرمهم من مزاحمته، تحت طائلة رميهم بشتى الإتهامات، مثل الإساءة إلى الطائفة حيناً؛ أو إستعداء قوى الهيمنة العالمية على الوطن حيناً آخر.

 وحلف الفساد الحاكم، المكون من زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، عمل مؤخراً على ترتيب صفوفه واستعادة لياقته. ونجح في أستعادة أحد أركان سيطرته على لبنان، باعادة الحريري إلى السرايا، باعتباره المنقذ مما جنته يداه بحق اللبنانيين. فالحكومات الحريرية هي التي دفعت لبنان إلى مستنقع الإفلاس ودمرت إقتصاده وأغرقته تحت ديون لا طاقة له بدفع فوائدها. في مؤامرة إفتضحت منذ التسعينيات، تهدف إلى إجبار لبنان وابتزازه، تحت ضغط الديون والفقر والجوع، للقبول بالإنضمام إلى قافلة المستسلمين أمام المطالب الأميركية-"الإسرائيلية"، بما فيها خسارة كل عناصر قوته، بدءاً من سلاح المقاومة، وصولاً إلى نسيان قضية فلسطين وتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين فيه.

ولا يقتصر إبتزاز اللبنانيين على هؤلاء المتجبرين فقط، بل أن التاجر يبتز المواطن اللبناني في لقمة عيشه وفي سعر السلعة التي يحتاجها. وآخر إبداعات الأحزاب والقوى السياسية في إبتزازها للبنانيين، ما روي عن لسان سعد الحريري من أن جميع من التقى بهم الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في قصر الصنوبر، أكدوا له موافقتهم على فرض ضرائب جديدة على اللبنانيين وعلى الخصخصة، التي تعني بيع القطاع العام وأصول الدولة، لتمويل الهدر والسرقات التي لا يستطيع الحريري وحلفائه ممارسة الحكم من دونها. فنحن برعاية سياسيين لا يحكمون إلا بالإبتزاز.   

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل