ساسة "كومبارس" ـ عدنان الساحلي

الجمعة 16 تشرين الأول , 2020 10:23 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

هل اقتنعت قوى الأكثرية النيابية، أو بعضها، ووافقت على وصفها بأنها فاشلة وفاسدة وأنها من ضمن "كلن كلن"، حسبما صدحت حناجر المتظاهرين في 17 تشرين من العام الماضي. وبالتالي، قررت تسليم البلد إلى "المنقذ" سعد الحريري، بصيغة "وداوني بالتي كانت هي الداء". خصوصاً أن الحريري قدم نفسه بعد إطاحة التحرك الشعبي بحكومته، باعتباره منقذاً للبلد مما هو فيه، في حين أنه هو المسؤول الأول عن الفساد الذي أهلك البلاد والعباد. وقد كرر الحريري تقديم نفسه كمنقذ، في طلته الإعلامية الأخيرة، في موقف زاحم فيه حليفه اللدود سمير جعجع، على قيادة "الثورة" وعلى زعامة جمعيات المجتمع المدني ووراثة شعاراتها وتحركاتها وربما شتائمها. وهي التي باتت تعاني مقتلاً، بعدما وجه لها وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، ديفيد هيل، صفعة مدوية باعلانه أن بلاده تمول أنشطتها، من ضمن العشرة مليارات التي صرفتها في لبنان، خلال السنوات الأخيرة.

من حيث الشكل، فإن سعد الحريري كاد يوم أمس أن يتسلم مفاتيح السرايا الحكومي مجدداً، بأكثرية نيابية موصوفة تزيد على السبعين نائباً، كانت سترشحه لتشكيل حكومة جديدة، لولا تأجيل الإستشارات من قبل رئيس الجمهورية.

لكن يبدو أن ما نشاهده هو مجرد مواقف مسرحية تتحرك أمام أعيننا؛ إذ لا يمكن أن نتجاهل أن الجزء الأساسي مما يجري يتأثر بشكل وبآخر بالضغوط الأميركية على لبنان، التي تلاقت مؤخراً مع إشارات سعودية بأن الدولتين الفاعلتين في لبنان، إنتقلتا من حملات الضغط الأمني والسياسي والمالي، لفرض إنضمام لبنان إلى طابور المنبطحين أمام العدو "الإسرائيلي" (المطبعين)، إلى ضغط من نوع آخر، عبر التلويح والترويج لمشاريع تقسيمية في لبنان، باعتبارها "حلاً لمشاكله"، طبعاً بعد إشعال نار حرب داخلية فيه. ولاقى ذلك أطراف داخليون، بعضهم دعا للفيدرالية، والبعض الآخر طالب بالحياد، فيما اعترف غيرهم بالتحضير لحرب مسلحة؛ وهدد طرف آخر بفرض اللامركزية الإدارية بالقوة ، إن لم يكن حبياً.

هذا الإرتباك الذي يسود حركة السياسيين اللبنانيين، يكشف فشلهم ومحدودية قدرتهم في التعامل مع تحديات المرحلة؛ وانسداد الأفق أمامهم، في محاولتهم الخروج من الأزمة، بعد كل ما واجهه لبنان وشعبه من معاناة. فما بين  إرضاء الأميركيين بإضافة مدنيين إلى وفد التفاوض التقني لترسيم الحدود مع العدو "الإسرائيلي"، مقابل رفض "الحلفاء" العلني لهذه الإضافة، وبين القبول بمبدأ التفاوض مع عدو نقول أن حربنا معه هي حرب وجود لا حرب حدود؛ وصولاً إلى القبول بعودة الحريري، مع كل ما يرمز إليه الحريري من تبعية للخارج وتمثيل للرأسمال العالمي المتوحش. في حين أن ما يحمله الحريري من حلول ومشاريع، سبق ان تم رفضه بالفم الملآن أمام الملأ من قبل المرحبين بعودته، بما يؤكد حقيقة استغفال اللبنانيين من قبل ساستهم وحكامهم. ولا ننسى طريقة تعامل الحكام مع حاكم المال، رياض سلامة، إذ أن أغرب ما شاهدناه أن نقابات السلطة نزلت إلى الشارع تتظاهر ضد من يفترض أنه موظف من قبل المراجع السياسية لتلك النقابات.

كما أن اللبنانيين لا يمكن لهم نسيان أن الحريرية السياسية جاءت راكبة على حصان "إعمار ما دمرته الحرب الأهلية". فاذ بها تستولي على أملاك الناس وتنشيء شركة "سوليدير"، التي قال الرئيس الأسبق إميل لحود أن الأرض التي استولت عليها في مكب النورماندي لوحدها، تفوق قيمتها الثلاثين مليار دولار أميركي. فهل أن شركاء الحريري في الصفقة الرئاسية، أو الذين يتاجرون بلبن العصفور، يدفعون البلد لحل أزماته بسوليديرات أخرى، واحدة للنفط والغاز وأخرى للاملاك البحرية وثالثة للمياه؛ ورابعة لإحتكار الهواء وبيعه للبنانيين؛ وخامسة للشؤون المالية بعدما فقدت المصارف صدقيتها باستيلائها على أموال المودعين! أم أن لبنان آخر نشهد فصول تشكيله، بعدما خسر لبنان القديم دوره القائم على الترانزيت، أي مرفأ بيروت؛ والمصارف المتهمة بذمتها، في وقت قرر فيه ملوك وامراء النفط والغاز من أعراب السعودية وأتباعها، كشف مستور علاقاتهم الوثيقة مع الكيان الصهيوني، الذي يحتل فلسطين، بما يلغي دور لبنان بالنسبة لهم. فيصبح مرفأ حيفا ضالتهم. وشريكهم المرابي اليهودي هو خزانة ما تبقى لهم من نقود، بعدما إستولى دونالد ترامب على القسم الأكبر منها.  

كل ذلك لا يمنع الساسة اللبنانيين من ممارسة المناورات والحيل للبقاء في السلطة، أو العودة إليها. وليس من قبيل المصادفة اعلان الرئيس سعد الحريري ان الحكومة التي ينوي تشكيلها، لديها مهمة خاصة ولمدة ستة اشهر فقط. وهي المدة المطلوبة لتمرير المفاوضات الجارية حول ترسيم الحدود، التي يراها الأميركي و"الإسرائيلي" فرصة لفرض شروطهم على لبنان. فهل نحن أمام ساسة وزعماء، أم مجرد "كومبارس" ينفذون رغبات الخارج الذي وظفهم قادة وزعماء علينا، يحمي وجودهم وفسادهم بتهديداته حيناً وبأساطيله الحربية إذا لزم الأمر، في حال لم ينفع ضغط المال رشوة كان أم إفقاراً؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل