أقلام الثبات
تزامن التصعيد في اليمن مع اعتراف "إسرائيلي" مفاجئ بـ"أرض الصومال" وإعلان بنيامين نتنياهو عن التمهيد لضمها الى اتفاقيات ابراهام. لا شكّ، لا يمكن قراءة هذين الحدثين كوقائع منفصلة، بل تبدو وكأنها سلسلة في استراتيجية مخطط لها، لما يمكن تسميته بـ"استراتيجية الكماشة"، التي تهدف إلى إعادة هندسة الأمن القومي في منطقة البحر الأحمر.
بالنسبة إلى "إسرائيل"، الاعتراف بأرض الصومال يخدم عقيدة "بن غوريون" القديمة المتجددة حول "عقيدة الأطراف"، حيث استخدمت "إسرائيل" هذا المبدأ في الخمسينات ولغاية السبعينات لفكّ الطوق العربي المعادي لها، فتحالفت مع كل من تركيا، وإيران الشاه، وأثيوبيا، لتشكّل طوقاً حول دول الطوق.
في السنوات الأخيرة، استطاعت "إسرائيل" أن تخترق الطوق عبر الاتفاقيات الابراهيمية، وباتت بعد الأحداث التي حصلت خلال الفترة الممتدة من عام 2023 ولغاية 2025، تسعى الى تحقيق هيمنة في الشرق الأوسط وتتوسع لتصل الى حدود باب المندب والمحيط الهندي.
وتسعى "إسرائيل" من خلال تحركها نحو "أرض الصومال"، لتحقيق أهداف عدّة أبرزها:
1. فكّ "عقدة باب المندب": أدركت "إسرائيل"، في أعقاب حرب غزة (2023 – 2025)، هشاشة أمنها البحري. وعليه، فإن أي حضور عسكري لها في "أرض الصومال"، تحت غطاء الاعتراف الدبلوماسي، وبالاستفادة من واقع الانتشار العسكري القائم لبعض القوى الإقليمية في سقطرى والساحل اليمني، قد يوفّر لها هامشاً أوسع لتأمين خطوط ملاحتها، بما يحدّ من تعرضها للضغوط المرتبطة بتوازنات باب المندب، سواء من قبل جماعة أنصار الله أو في إطار التفاهمات الإقليمية التقليدية المرتبطة بمصر والسعودية.
2. التجسس والإنذار المبكر: تحويل القرن الإفريقي إلى قاعدة استخباراتية متقدمة لرصد الخليج ودوله، ورصد تحركات جماعة أنصار الله الحوثية قبل أن تصبح تهديداً لمدينة إيلات.
3. محاصرة "المركز العربي": تدرك "إسرائيل" أن إضعاف السعودية ومصر لا يتم بالمواجهة المباشرة، بل بقضم مناطق نفوذهما الحيوي، وتطويقهما في محيط تديره تل أبيب وحلفائها.
بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، إن الحدثين المتزامنين يمثلان انهياراً لنظرية "الأمن المستقل". لطالما نظرت الرياض إلى اليمن كحديقتها الخلفية، وإلى المهرة تحديداً كمنفذها نحو بحر العرب لتصدير النفط بعيداً عن مضيق هرمز. وعليه، إن سقوط هذه المناطق وخروجها من سيطرة حلفائها، وإنشاء "إسرائيل" قاعدة عسكرية في أرض الصومال يعني أن السعودية ستجد نفسها بين "فكي كماشة"، ويجعلها في موقف دفاعي لتحصين أمنها القومي.
أما بالنسبة إلى مصر، فإن هذه التطورات تدق جرس الإنذار بالنسبة للأمن القومي المصري، حيث ستؤدي السيطرة الخارجية على مدخل البحر الأحمر الجنوبي، الى منح "إسرائيل" وحلفائها القدرة على التحكم بحركة الملاحة المتجهة الى قناة السويس. هذا يمنح "إسرائيل" ورقة ضغط هائلة على الاقتصاد المصري، وقد يحيي مشاريع بديلة تهمّش دور قناة السويس. بالإضافة الى ما سبق، إن دعم انفصال "أرض الصومال" يعدّ سابقة خطيرة تضرب الأمن القومي المصري في الصميم، خصوصاً في ظل النزاع مع إثيوبيا.
في النتيجة، تجد السعودية ومصر نفسها مضطرة – بالتنسيق مع تركيا - إلى تشكيل كتلة موازنة تعيد الاعتبار للدولة اليمنية الموحدة وتدعم وحدة الصومال، وإلا سنستيقظ قريباً على "شرق أوسط" جديد، تكون فيه عواصم العرب الكبرى مجرد محطات عبور في نظام إقليمي تديره "إسرائيل" وتهيمن عليه.
اختطاف "الخطاب السني": كيف وظّف التكفير "الطائفية" لخدمة الأجندة الصهيو-أمريكية؟
"إسرائيل" تدعو مواطنيها للتسلّح… ولبنان ينزع سلاح مواطنيه ــ د. نسيب حطيط
"إسرائيل الكبرى" تتوسّع إلى الصومال وجنوب اليمن _ د. نسيب حطيط