الشرق بين صراعات الغاز والموانئ والسلاح الالكتروني ـ فادي عيد وهيب

الخميس 24 أيلول , 2020 08:11 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تشهد المنطقة الأن صراعات عديدة، لكن يبقى أبرزها ثلاث، ولتكن البداية بصراع الغاز بعد أن عاد التركي لبيته يجر ذيل الهزيمة بعودة سفينة التنقيب "عوروج ريس" الى أنطاليا، بعد فشلها في مهمة إستكشاف الغاز بالمتوسط، وفشل سياسي أيضا بعد أن عززت اليونان من قوتها العسكرية في جزر بحر إيجة، لتضييق الخناق البحري على تركيا، بينما صار للقاهرة الريادة في غاز المتوسط كما وكيفا، بحكم أنها صاحبة الإحتياطات الأضخم من الغاز في المتوسط، وهي تسابق الزمن كي تكون أكبر مورد للغاز في العالم قبل 2030م، ولأن السيطرة باتت لها بعد أن وقع سفراء دول "منتدى غاز شرق المتوسط" على ميثاق تحويل المنتدى إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة، وإعلانها إمتلاك مجموعة من الأدوات الهامة للدفاع عن مصالح الدول الأعضاء بالمنتدى.

أهمية غاز المتوسط أزدادت في ظل حاجة أوروبا إلى الغاز، ورغبة الأميركي في إخراج أوروبا من سيطرة الغاز الروسي، وهنا لا بديل للقارة العجوز عن غاز المتوسط، ولذلك لم تنتشر الفرقاطات والمدمرات الفرنسية والأميركية والروسية في مياة شرق المتوسط خشية من قيام حرب بين تركيا واليونان، بقدر السيطرة على النقطة الهامة التي سيمر منها انابيب الشرق المحملة بالغاز المسال نحو أوروبا، كحال الولايات المتحدة عندما سحبت جنودها من المانيا عقابا لها على التشبث بالغاز الروسي، فتم نقل  جزء من هؤلاء الجنود الى بولندا التي تنفذ مشروع "أنبوب غاز البلطيق" الذي يهدف لإخراج دول بولندا، الدنمارك، النرويج، وأوكرانيا من هيمنة الغاز الروسي، والمقرر عمله في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 مع نهاية عقود عمل شركة "غازبروم" الروسية في بولندا، والجزء الأخر من الجنود تم نقله الى أيطاليا حيث بوابة غاز شرق المتوسط لأوروبا، كي يضع الأميركي يده مبكرا على بوابات مصادر الطاقة القادمة للقارة العجوز ولهذا كان احتدام صراع الموانئ.

فكانت ساعة الصفر لهذا الصراع مع إنفجار مرفأ بيروت، فكان ذلك إشارة إلى الإعلان عن بدء ذلك الصراع الشرس، وما جاء التطبيع الإماراتي الإسرائيلي إلا تأكيداً عليه، ليكون ميناءي "حيفا" و"دبي" بمعادلة واحدة، إضافة إلى مشاريع كبيرة تطرح في الكواليس لربط موانئ الخليج بإيلات وحيفا.

ولذلك جاء لقاء الرئيس المصري يوم 9سبتمبر/ أيلول مع مدير عام شركة "ديمي" البلجيكية (أكبر شركة في أوروبا لبناء الموانئ) للاتفاق على تطوير وتوسعة ميناء خليج أبو قير، كخطوة تأتي بالتكامل مع إتفاق مصر مع شركة "هاتشيسون" الصينية لإقامة أكبر محطة تداول حاويات بالمنطقة في ميناء أبو قير بسعة تداول 2 مليون حاوية سنويا، في نفس سياق صراع الموانئ.

وتهدف الخطوة الشطرنجية السريعة لأن يكون ميناء أبو قير الأكبر في البحر المتوسط، ليرتقي بالتصنيف العالمي للموانئ المصرية إلى المستوى الأول، وبالتأكيد هي خطوة تحسب للقاهرة.

ومن صراع الطاقة للموانئ الى صدام البوارج، وسعي كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا إلى ملء أكبر مساحة بشرق المتوسط بأدواتها البحرية، كحال الشطرنج إن لم تستطع إسقاط قطعة من الخصم، فعلى الأقل حاول ملء الرقع الفارغة، كي تشدد الحصار على الخصم، وهو ما تجلى في زيارة وزير الخارجية الروسي لقبرص في 8 سبتمبر/ أيلول، قبل زيارة نظيره الاميركي لنفس الجزيرة بـ72ساعة، كي نكتشف جزءاً من اتفاق يدور بين الكبار يهدف لترك قاعدة الجفرة الى روسيا مقابل خروج روسيا من قبرص، كي يتحقق هدف بوتين الثاني في الشرق الأوسط بعد أن وضع قدمه الاولى في سورية، بوضع قدمه الثانية بالجفرة، لتحقيق حلم قديم فشل الروسي في تحقيقة في الاسكندرية وفي أم البواقي الجزائرية وفي بنغازي في السنوات الماضية.

وإن لم يتم التأكيد على تلك الصفقة بين الكبار، فيبقى صراع النفوذ بين موسكو وواشنطن في جزيرة قبرص مؤكدا، بعد أن أعلن بومبيو أن دعم بلاده لقبرص ضد تركيا مرهون بتخلي قبرص عن دعم روسيا في المتوسط، فقبرص تحتوي على مركز للتجسس وأمن المعلومات لخدمة البحرية الروسية المتواجدة من سواحل سورية وحتى سواحل قبرص، فتأمين السفن الروسية بتلك المياة يأتي من قبرص، وهناك أتفاقات أمنية ودفاعية وإستخبارتية بين قبرص وروسيا.

وأخيراً وليس آخراً جاء مسك ختام تلك السلسلة المتنوعة من الصراعات بعنوان "الحرب الالكترونية"، ولنا في نجاح تركيا بعزل المقاتلة الفرنسية "الرافال" ومن قبلها على حاملة المروحيات "لوتونير" والتشويش الكترونيا عليهم نموذجاً، وهو الأمر الذي سيجعل كل من يقتني السلاح الفرنسي يفكر مرتين سواء عند مواجهة تركيا، أو قبل شرائه السلاح من فرنسا مجددا، أن لم يكن ما حدث بين فرنسا وتركيا في شرق المتوسط سيغير قوانين ومفاهيم كثيرة في مجال الحرب الالكترونية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل