صحوة سياسية سورية... لكن "بعد خراب البصرة" _ أمين أبوراشد

الجمعة 12 أيلول , 2025 07:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

أسماء سورية سنِّية بارزة هبَّت فجأة، وخلال أسبوعٍ واحد، ونفخت برماد الخمول عن الجمر الراقد، ونفضت عن الحياة السياسية في سوريا الخنوع الراكد، وتوالت المواقف الكبيرة لشخصيات بعضها مخضرم، في ما بدا أنه سباق لوراثة عهد أحمد الشرع، من صالح الحموي القيادي السابق في هيئة تحرير الشام، وهو رفيق الخندق الواحد لأبي محمد الجولاني، الذي تسرَّب له تصريح "نشر غسيل" حول المسيرة الحالية لسلطة أحمد الشرع، إلى عمر رحمون وهيثم المناع اللذين أعلن كل منهما عن قيام حركته السياسية لإنقاذ سوريا، ووصولاً إلى مناف طلاس الذي يُطِلُّ يوم السبت من على منبر أكاديمي رفيع في العاصمة الفرنسية باريس للإفصاح عن كل ما هو مُباح. 

صالح الحموي، بصفته أحد مؤسسي هيئة تحرير الشام، وأحد قيادييها السابقين، ينتقد زيـارة الشرع إلى نـيـويـورك، لوجود مخاطر قد تحصل في غيابه، ويتوجه إليه بالقول: "واضـح أنَّ الـسـلـطـة والـقـائـمـيـن عـلـيـهـا مـجـمـوعـة أغـبـيـاء وفـشـلـة، حـذَّرتـكم وقـلت لكـم لا تـلـعـبوا بـالـنـار، وسابـقـاً قـلت لكـم الـعـدو اخـتـرقـكـم بـالـكـامـل بسـبـب الـتـوسـع والفـسـاد لـدى عـنـاصـركـم وأمـرائـكـم، وقـلت لكـم يـتـنـصـتـون عـلـيـكـم ويـعـرفـون كـل شـيء عـنـكـم". 

وأضاف الحموي: "سـبـب الـقـصـف الإسـرائـيـلـي مـنـذ يـوميـن عـلـى عـدَّة مـواقـع فـي حمص واللاذقية ودمشق، ودرعا على وجه الخصوص، هـو اكـتـشـاف إسـرائـيـل لـمـجـمـوعـة جـهـاديـة فـي درعا، كـانـت تـُعِـدّ لإطـلاق مـسـيـَّرة عـلـى إسـرائـيـل، فـقـصـفـت الـمـجـموعـة ودمـرت الـمـسـيـًّرة قـبـل إطـلاقـهـا، وإسرائيل تـُحـمـِّل الـشـرع وسـلطـتـه كـل الـمـسـؤوليـة سـواء كـان ذلـك بعـلمه أو بـدون علمه، وهـي تـعـتـبـر أنَّ الـشـرع يـسـتـخـدم الـتـقـيَّـة ويـعٍـد الـجـهـاديـيـن أنه عـنـدمـا يـتـمكـن سـيـعـطـيـهـم مـا يـريـدون، فيما يعِد الـدول بأنه سـيقـضي عـلـى الـجـهـاديـيـن وعلى الـفـكـر كـلـه وهو فـقـط يريد الـوقـت". 

ويتساءل الحموي: "مـا ذنـب عـنـاصـر جـدد فـي وزارة الـدفـاع يـسـتـشـهـدون بـسـبـب غـبـائكـم وفـشـلكـم؟ ولـمـاذا الـشـعـب سـيـدفـع ثـمـن وصـولـكـم لـلـسـلطـة وتـصـنـيـف الـدول لـكـم جـمـاعـة جـهـاديـة ارتـكـبـت الانـتـهاكـات ويـتـخـذون مـنكـم ذريـعـة لـتنـفـيـذ مـخـطـطـاتـهـم الـشـيـطـانـيـة وأنـتـم تـقـدمـونـهـا على فـوطـة مـن ذهـب". 

وفيما كشف الحموي على حدّ زعمه، عن ضبط الغرب اتصالات ولقاءات مـع الإيـرانيـيـن وحـزب الـلـه، يقول، أن "هـنـاك لــقـاءات وعـلاقـات قـويـة بـيـن مـاهـر الـشـرع وضـبـاط مـن الـنـظـام السـابـق، جـرت فـي مـوسـكـو وتـجـري فـي لـبـنـان، وهـنـاك صـفقات تـُعـقـد تـحـت الـطـاولـة، والـشـيـبـانـي يـنـدد ويـشـجـب الـقـصـف "الإسـرائـيـلـي" بـيـنـمـا يـهـرول لـلـقـاء الـوزيـر "الإسـرائـيـلـي" ديرمر في أي وقت، وسيسجل التاريخ أنه في ظل حكم أحمد الشرع، التقى أول مسؤول سوري مع وزير "إسرائيلي" فيما كان بإمكانكم حل الأمور معهم عبر وسطاء ومفاوضات غير مباشرة".

ويختم الحموي بالتحذير الواثق قائلاً: "مَـن يـظـن أنَّ الحـرب انـتهـت فـي سـوريا هـو واهـم، هـنـاك جـولات قـادمـة ونـزوح وقـصـف واشـتـبـاكـات، وكل ذلـك بـذريـعـة وجـود الـهـيـئـة فـي الـسـلـطـة، فإمـا أن يـُسـارع الـشـعـب إلى إجـبـار الـهـيـئـة عـلـى الـتـنـازل والـرجـوع لــلـخـلف، وإمـا هـذه الــسـلـطـة تأخـذنـا جـمـيـعـاً لـلـهـاويـة والمـشـكـلـة سـتـطـلع بـرأس عـناصـرهـا، لأن كـبـار قـيـادييهـا سـيـهـربون إلى الخـارج".

من جهة أخرى، أعلن عمر رحمون تأسيس حركة "النهج الوسطي" الوطنية الصوفية الأشعرية، التي تهدف لأن تكون جسراً بين العقول والقلوب في سوريا، وشدد بيان تأسيسها على مبادئ الحركة في نبذ العنف والتطرف، والتمسك بالعدالة والكرامة الإنسانية، وضمان حقوق المرأة في العمل والتعليم والمشاركة في صنع القرار وبناء المستقبل، بالإضافة إلى ضمان حقوق الأقليات في ممارسة شعائرهم وثقافتهم ولغتهم، ورعاية الأجيال والنهضة الفكرية والعلمية، والإيمان بحرية الصحافة واستقلالها ورسالتها في تعزيز الوعي، والتأكيد على سيادة سوريا والانفتاح على العالم.

وتزامناً مع إعلان حركة "النهج الوسطي"، التي عكست روحية إسلام بلاد الشام، بادر المعارض السوري الدكتور هيثم المناع من الخارج إلى إعلان تأسيس "الكتلة الوطنية السورية"، بهدف "وضع حد لإعادة إنتاج الديكتاتورية بثوب قديم جديد". 

وقال المناع بصفته عضو لجنة التواصل في الحركة، أن الهدف من الإعلان هو بناء دولة مدنية ديموقراطية تقوم على المواطنة والعدالة الاجتماعية حيث شهدت السنوات الماضية عسكرة الحراك السوري ومحاولات السيطرة الخارجية على مقدرات السوريين، إضافة إلى احتلال أجزاء من الأراضي السورية من قبل "إسرائيل" وتركيا.

وبمقدار ما انعكست التصريحات المُسرَّبة عن ناصر الحموي على معنويات هيئة تحرير الشام والرئيس أحمد الشرع شخصياً، تبقى مسألة إعلان عمر رحمون عن تأسيس حركة "النهج الوطني" والدكتور هيثم المناع عن تأسيس "الكتلة الوطنية السورية" ضمن محاولات الدعوة إلى التفاعل السياسي الحواري الحكيم بين السوريين بقيادة الأغلبية السنِّية، لكن تأتي إطلالة العميد الركن المنشق مناف طلاس يوم السبت من على منبر جامعي لإلقاء محاضرة في معهد "سيانس بو" للعلوم السياسية في العاصمة الفرنسية باريس صادمة، وهو سيعرض خلالها ابرز التطورات الداخلية السورية منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، ورؤيته لمستقبل سوريا أمام شخصيات ووفود رفيعة المستوى إلى جانب نخبة من الصحافيين والكُتَّاب وأعضاء مراكز الأبحاث، علماً بأن طلاس تحدث قبل موعد محاضرته عن استعداده لقيادة سوريا.

قيادة سوريا، ولكن أية سوريا يطمح إليها الطامحون؟ بعد أن ارتسمت الأقاليم الثلاثة الكردي والعلوي والدرزي، وكل منها تقف أكثر من دولة في ظهره، فيما الشخصيات السنِّية الثلاث رحمون والمناع وطلاس يعملون على استعادة وحدة سوريا ضمن دولة ديمقراطية موحدة ولكن، ربما فاتهم القطار، لأن أحمد الشرع يُنجز آخر "التشطيبات" على الخارطة الجديدة، وخليفته كائناً من يكون، لن يجد سوى الإقليم السني الداخلي المحاصر إلى حد الاختناق، عسى ينجح "الخليفة المنتظر" في جعل سوريا جمهورية فيدرالية بدلاً من "أربع سوريات".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل