الهيمنة الأميركية تهدد ذهب لبنان _ عدنان الساحلي

الجمعة 12 أيلول , 2025 07:38 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
​يعلم كثير من اللبنانيين أن ثلث كمية الذهب التي يملكها لبنان، لتغطية عملته الوطنية، موجود لدى الولايات المتحدة الأميركية، "على سبيل الأمانة"، وأي أمانة هذه التي تؤمّن الذئب على الغنم.

​وبين وقت وآخر، يطفو حديث "الوشوشات" إلى سطح الأحداث، كاشفاً عن نوايا غير سليمة تنوي التصرف بالذهب وتشجع على استخدامه، مرة بحجة سد بعض عجز الخزينة؛ ومرة لسد بعض ديون الدولة؛ ومرات لتعويم المصارف التي أفلست نفسها، أولاً، عبر تهريب ما تبقى لديها من أموال المودعين إلى الخارج، تنفيذاً لأمر العمليات الأميركي المعروف بـ "تجفيف لبنان من العملات الصعبة"، من ضمن إجراءات "قانون قيصر" الشهير؛ وثانياً، عبر تصرفها بأموال المودعين لديها؛ بتقديمها قروضاً للحكومات اللبنانية المتعاقبة، بفوائد عالية وخيالية تعدت الـ42 في المائة.

​صحيح أن معظم تلك الدعوات و"الوشوشات" لم توصل إلى نتيجة حتى الآن، لكنها في كل الأحوال محاولة لجسّ نبض حكام لبنان الجدد، نظراً إلى أنهم سجلوا نسبة عالية في الخضوع والتبعية للأميركي وفي تنفيذ رغباته وإملاءاته.

​وموضوع تسييل الذهب طرح أكثر من مرة، من قبل جهات عدة، رغم معرفة تلك الجهات أن هذه العملية معقدة جداً، لأن التسييل ممنوع بالقانون رقم 140 الصادر عام 1986، الذي يمنع تسييل احتياطي الذهب إلا بتعديل أو إلغاء القانون المذكور، حتى أن أحد نواب حاكم مصرف لبنان تنطّح يوماً للدعوة إلى الاستعانة باحتياطي الذهب، بيعاً، أو رهناً، أو تأجيراً، معتبراً "أن الدول تستعمل قرشها الأبيض في يومها الأسود".

​ويعتبر لبنان من بين الدول العشرين الأولى في العالم الأكثر استحواذاً على الذهب، كونه يملك نحو 286.6 طناً، هي تسعة 9 ملايين و200 ألف أونصة، بقيمة قد تزيد عن 18 مليار دولار، نظراً للارتفاع الكبير في اسعار الذهب، خلال السنوات والأشهر الأخيرة.

​ومع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 أرسل لبنان إلى ولاية كنتاكي الأميركية، ثلث احتياطيه الذهبي لحمايته. وهو لا يزال هناك، ولم تحاول الدولة استعادته طوال السنوات الماضية. وهو محفوظ في قلعة "فورت نوكس"، فيما يوجد الجزء الآخر في خزائن المصرف المركزي في بيروت؛ وجزء أقل في سويسرا. لكن هناك مخاوف من إمكانية مصادرة الذهب المودع في أميركا، من قبل السلطات الأميركية، بحجج شتى، قد تكون عبر تقديم دائنين شكاوى بحق السلطات اللبنانية، في حال تخلفت الدولة اللبنانية عن سداد ديونهم. مثلما هناك خوف من تصرف السلطات اللبنانية بذهب مصرف لبنان، فمن يتخطى القوانين ويطلق سراح عملاء محكومين قضائياً، بضغط أميركي، مثل موظف الاتصالات المحكوم 15 سنة لكنه أطلق بعد 22 شهراً؛ ومن يطلق سراح العميل والمجرم عامر الفاخوري ويسلمه للسفارة الأميركية؛ ومن لم يتضامن مع القاضي الشجاع محمد مازح، عندما أجبرته المؤسسة القضائية على الاستقالة من منصبه، لأنه تجرأ وطالب السفيرة الأميركية التزام القوانين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية. ومن سكت عن الحملة ضد القاضية غادة عون وغيرها من القضاة، الذين طاردوا أصحاب المصارف التي استولت على أموال المودعين؛ ومن يرخص لشركة "ستارلينك"، التي يملكها الأميركي إيلون ماسك، لتستبيح أجواء واتصالات لبنان، أكثر مما هو مستباح، عبر بث الأنترنت عبر الأقمار الصناعية؛ ومن يعتبر ورقة توم براك منزلة يخضع لإملاءاتها ويقرها في جلسة لمجلس الوزراء؛ وكذلك من يطلق سراح رياض سلامة بأمر أميركي، لن يتجرأ على الطلب من الأميركيين إعادة أطنان الذهب المودعة عندهم.

​وحسب ما هو متداول، فإن الكثير من البلدان الأوروبية حاولت استعادة احتياطي ذهبها، الموجود في الولايات المتّحدة، إلّا أن محاولاتها باءت بالفشل. فهل لبنان أقوى من تركيا والمانيا وهولندا وفنزويللا، التي حاولت استعادت ذهبها الموضوع "أمانة" لدى الولايات المتحدة، فحصلت على نسبة لا تذكر منه، مما دفع محلّلين وخبراء دوليين، إلى التساؤل عمّا إذا كان الذهب موجوداً فعلاً في قلعة "فورت نوكس"، أو تمّ التصرّف به عبر بيعه أو رهنه.

​وتخوض الولايات المتحدة وتابعيها في المنطقة، خصوصاً "إسرائيل" والمملكة السعودية، معركة الحاق لبنان بمشروع دمج الكيان "الإسرائيلي" بمحيطه العربي، ليكون قائداً لشرق أوسط "إبراهيمي" انخرطت فيه بعض دول الخليج. وقد نجحت الولايات المتحدة والسعودية في إيصال رئيس جمهورية ورئيس حكومة في لبنان على هواهم؛ وأشرفت سفارة عوكر على اختيار وزراء حكومة نواف سلام؛ وبالتالي، فإن ركيزة النظام اللبناني القائم على تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، لن يألوا جهداً في التقاطع مع المصالح الأميركية، بهدف التصرف باحتياطي الذهب اللبناني وبأملاك الدولة، فهي بالنسبة لهم طوق النجاة لينجوا بما سرقوه من أموال الشعب اللبناني. وحتى لا تضطرهم الظروف إلى إعادة أموال المودعين من ثرواتهم ومن المال الحرام الذي جنَوه، فرساميل أصحاب المصارف، كانت عام 1992 اقل من ثلاثمائة مليون دولار، فأصبحت قبل الأزمة المالية وهبوط قيمة الليرة، عام 2019 ، تفوق السبعة وعشرين مليار دولار.

​واذا وضعنا في حسابنا ما مر على اللبنانيين، من إجراءات حكومية ومصرفية قاسية، نجد أن الأميركيين والسعوديين سيواصلون ضغوطهم لكسر إرادة اللبنانيين و"صهينتهم" و"أسرلتهم"، بل ولتبديل ديانتهم ليصبحوا "إبراهيميين"؛ وذلك عبر مواصلة حرب الإخضاع المالي بحقهم؛ وعبر المزيد من إفقارهم، لعلهم بذلك يزيدون الضغط على المقاومة وعلى المؤمنين بالمقاومة، للتخلص منها ومن سلاحها، كذلك لينقذوا أتباعهم من زعماء الطوائف وأصحاب المصارف من أزمتهم المالية، فيحلوا أزمة الودائع من جيوب اللبنانيين ومن ذهب خزينتهم وأملاك دولتهم. وإلا لماذا هذا التناغم لبعض الداخل مع التهديدات والتحديات الخارجية، بل واستدعاء ذلك الخارج للتدخل في الشأن الداخلي، ولو بالقوة والقصف والعدوان؟

​ولو عدنا إلى "أوامر" المنسق الفرنسي المكلف تنفيذ مؤتمر «سيدر» بيار دوكان ودعوته السلطات اللبنانية إلى اعتماد "التشاركية" وهي الرمز السري لبيع القطاع العام للقطاع الخاص، أي للذين اثروا بفضل "الهدر" في خزينة الدولة؛ وبفضل الفوائد التي أخذوها منها؛ وكذلك بفعل "البهلوانيات الاقتصادية" وغيرها؛ وبعد أن أصبح كريم سعيد حاكما لأمر المال حالياً؛ وهو صاحب "خطة هارفرد"، التي تنص على تحويل أموال المودعين المحتجزة لدى المصارف، إلى ديون لهم على الدولة، بما يخلص المصارف من حقوق المودعين ويزيد الديون على لبنان؛ ويرفع حجم الضرائب على اللبنانيين، فإن هؤلاء سيصدمون عندما يجدون حكامهم يبيعون أملاك الدولة ومؤسساتها؛ ويسيلون الذهب الموجود ويتناسون المودع منه في اميركا، تحت شعارات مضللة، لن يعجزوا عن فبركتها


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل