حب وتوقير الصحابة الكرام للحَسن والحُسين عليهما السلام

الخميس 27 آب , 2020 01:35 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات 

 

 

حب وتوقير

 الصحابة الكرام للحَسن والحُسين عليهما السلام

 

في شهر شعبان المبارك، لسنة أربع من الهجرة النبوية الشريفة، ها هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المدينة المنورة، يجرُّ إزاره مسرعاً قد سَمِعَ خبراً خفق له فؤادُه، وتحركت من أجله لواعجُ شوقه، لقد ولدت ابنته السيدة فاطمةُ بنت محمد صلى الله عليه وسلم طفلاً… فدخل الجدُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على ابنته فاطمة رضي الله عنها، وحمل الوليدَ المبارك بين يديه، ثم أتى بتمرةٍ، فلاكها بريقه الشريف، وحنَّك الطفل بها، وأذن في أذنه ودعا له، ثم التفت إلى ابن عمه وزوج ابنته علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال له: "ما أسميته؟"، قال عليٌّ: جعفراً، فاختار النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لهذا المولود الجميل اسماً لم يكن للناس به عهد من قبل فقال لعلي: "بل سمِّه الحُسين".

أَكْرِمْ بفَاطِمَةَ البَتُولِ وبَعْلِهَا ... وبِمَن هُمَا لمُحَمَّدٍ سِبْطَانِ

غُصْنَانِ أَصْلُهُمَا برَوْضَةِ أَحْمَدٍ ... للهِ دَرُّ الأَصْلِ والغُصْنَانِ

وكان الحسين أشبه أهل البيت برسول الله صلى الله عليه وسلم.. يقول سفيان بن عيينة رحمه الله: قلت لعبيد الله بن أبي يزيد: رأيت حسين بن علي؟ قال: نعم، أسود الرأس واللحية، إلا شعيرات ها هنا في مقدم لحيته، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان شبهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يكن شاب منه غير ذلك، ومرَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً على باب علي رضي الله عنه، فسمع صوت الحسين يبكي، فنادى ابنته فاطمة رضي الله عنها: "يا زهراء، أَمَا علمتِ أنَّ بكاءه يؤذيني، أما علمت أنَّ بكاءه يؤذيني".

تألم الحسين رضي الله عنه وهو في ربيعه السادس لوفاة جده صلَّى الله عليه وسلَّم، وحزن عليه حزناً شديداً؛ فقد كان الجد في حياته والداً رحيماً، ومربياً عظيماً، ولم يمضِ من الأيام ستة أشهر إلا والأحزان تتجدَّد في قلب ذلك الصبيِّ الصغير، لقد فُجِع بفاجعة عظيمة؛ توفِّيت أمُّه فاطمة الزهراء سيدة نساء الجنة رضي الله عنها وأرضاها. فلا تَسَلْ بعد ذلك عن مرارات الحزن وزفرات الأشجان، التي كان يدافعها ذلك القلب البريء… لا عليك يا حسين، لا تحزن ولا تغتمَّ ولا تجزع، فوالله لن ينساك أصحاب محمد، وأحباب محمد صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم.. لقد سمع الصحابة الكرام نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهو يثني الثناء العطر، على سبطيه الحسن والحسين رضي الله عنهما، وراقبوه وهو ينزل من على منبره خوفًاً عليهما من التعثر والسقوط، رأوه وهو يحنو عليهما، ويظللهما بعطفه الأبوي، فماذا تراهم سيفعلون مع الحسن والحسين رضي الله عنهما، فكان الأصحاب رضي الله عنهم، يكرمونه إكراماً للنبي، ويحبونه محبةً للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم.. كيف لا، وقد كان أشبهَ الناس بالحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم؟! فقد كان مُحَيَّاه يذكِّر الأصحابَ بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام- لقد وفَّى الصدِّيق -رضي الله عنه- بصاحبه في الغار، فكان أبو بكر وهو ابن الستين عاماً، يعطف ويحنو على الحسين الشيءَ الكثير؛ كان إذا رآه يُقْبِل عليه ويبشُّ له، كان رضي الله عنه يقول للناس: ارقُبُوا محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم في آل بيته. أي أرعوه واحترموه وأكرموه.

فاضَتْ عينا الصديق رضي الله عنه يوماً من الدموع، وهو يقول لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: والله لَقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أن أصل من قرابتي.

أما الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان يُجِلُّ الحسين، ويوقِّر الحسين، ويحب الحسين؛ كيف لا، والحسين صِهْرُ الفاروق رضي الله عنهم؟! فقد تزوَّج عمر أختَ الحسين، أمَّ كلثوم بنت عليٍّ -رضي الله عنهم- ولما أنشأ عمر رضي الله عنه الديوان، كان يفرض للحسن والحسين العطايا كما يفرض لأهل بدر؛ محبةً وإكراماً للسِّبْطَين الجليلين، وكسا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً، أبناء الصحابة ولم يكن في ذلك ما يصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن فأتى بكسوة لهما ثم قال: الآن طابت نفسي.

ثم جاء ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه فحفظ للحسين فضله ومكانته، وكان قريباً من قلب عثمان لقرابته منه؛ فقد كان عثمان زوج خالتَيِ الحسين بن علي: رقية وأم كلثوم؛ بنتيْ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم.

وقد كان الحسين رضي الله عنه بطلاً شجاعاً مجاهداً في سبيل الله، حيث شارك في فتوحات أفريقيا وخراسان وطبرستان في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وهكذا كانت محبة بقية الأصحاب رضي الله عنهم للحسين رضي الله عنه، كان عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بركاب الحسن والحسين إذا ركبا، فقيـل لـه: أتأخذ بركابهما وأنت أسن مهما؟ فقال: هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن من سعادتي أن آخذ بركابهما. ويرى هذا من النِّعَم عليه، ورأى عمرو بن العاص الحسين بن علي يمشي بجوار الكعبة، فقال: هذا أحبُّ أهل الأرض إلى أهل السماء.

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه خرج يوماً في جنازة ومعهم الحسين بن علي، فأعيا الحسين وتعب، فقعد في الطريق فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين: يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا؟ فقال أبوهريرة: دعني فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم.

تلك نظرة الصحابة رضوان الله عليهم لريحانة المصطفى صلى الله عليه وسلم الحـسين بـن عـلي رضي الله عنهم، وهـذه مكانته عندهم.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل