دروس يتعلمها الإنسان من فاجعة الموت

الخميس 06 آب , 2020 03:31 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات 

 

دروس يتعلمها الإنسان من فاجعة الموت

 

إنَّ الموت شديد الوقع على النفوس؛ لأنَّ البشر -بشكل عام- مع الأسف يمنون أنفسهم بالأمل وتخدعهم الأماني ولا يستعدون أبداً للقاء الله -عز وجل- فعلى الرغم من أن الموت هو الشيء الوحيد اليقيني في حياة كل البشر على اختلاف مللهم وخلفياتهم الدينية، فإنَّهم في غالبيتهم لا يؤهلون أنفسهم لهذه اللحظة ولا لذلك اليوم، وفي الأثر: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"، نجد أنَّه حين يحين وقت التنفيذ يكون توجه معظم الناس للقسم الأول، وهو: "اعمل لدنياك كأنَّك تعيش أبداً"، وإن آمنوا بالقسم الثاني "واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً" في أعماقهم وصدقوا بحقيقة حدوثه، وفي الموت دروس مهمة وعبر جليلة لكن هناك ملاحظات في تعامل الناس معه منها:

1- عدم فهم حقيقة الموت إلا بمواجهته: مهما كنا متفهمين لحالة مريض أو أي إنسان مبتلى بأي من أنواع الابتلاءات، فإنَّه لا يمكن فهم تلك الأمور على حقيقتها إلا بمواجهتها فعلياً، سيما الموت، وذلك أنَّ الناس في معظمهم -ولا نستثني المسلمين مع الأسف- متمسكون بالحياة أيما تمسك وكأنها آخر الأمل أو هي الحياة السرمدية التي يتطلعون لها، بل إنَّ البعض يتمسك بحياة أي حياة وإن خلت من العافية ومن القدرة على عبادة الله، وهو ما خُلقنا من أجله في الأصل، بينما لا يتسم بتلك الخصلة إلا اليهود، يقول تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ} [سورة البقرة:96].

كذلك ترجع الصعوبة في فهم الموت وتقبله إلى عدم الاستعداد له من جهة، وعدم فهم حقيقته من جهة أخرى، فالكثيرون ينظرون للحياة على أنها الفرصة الأخيرة للقاء بالأحباب والاستمتاع بالنعم والملذات، وهذا من سوء فهم دين الإسلام والموت، فالموت بالنسبة لنا نحن المسلمين ليس النهاية وإنما هو بداية لحياة أبدية في جنة الخلد بإذن الله، والحرص إذن يجب أن يكون على جمع الأعمال الصالحة لا التعلق بالدنيا والبشر، الموت بالنسبة لنا نحن المسلمين ليس النهاية وإنما هو بداية لحياة أبدية في جنة الخلد بإذن الله، والحرص إذن يجب أن يكون على جمع الأعمال الصالحة لا التعلق بالدنيا والبشر

2- ضرورة استغلال الفرص المتاحة مع الأحباب: من أكثر الصفات التي كان يستخدمها أبي -رحمه الله- عن وصف الحياة هو أنها مدة يسيرة، ومع هذا لا يلبث الإنسان يؤجل خططاً وأهدافاً مع أحبابه، وعلى رأسها قضاء الوقت معهم في سبيل اللهاث وراء الدنيا، والجري وراء الدنيا لا ينتهي، وتبين لي أهمية هذا الأمر جلياً عند وفاته ورؤية الناس المقصرة في حقه يندبون حظهم على ما فرطوا وقصروا ولكن هيهات!

3- عدم تمني الموت للحاق بالأحبة: وقد يستغرب البعض أن يتعلم إنسان هذا الدرس من تجربة موت أحب أحبائه وأقرب الأقربين إليه، ففكر الناس وما يروج له الإعلام عادة هو استحالة عيش الإنسان بعد وفاة أحبابه، بيد أن وضعنا في الإسلام مختلف فهو دين الأمل؛ فهو يعطي للأحياء فرصة الإحسان للأموات ورفع درجتهم بالأعمال الصالحة من صدقات وذكر وقراءة للقرآن، وهذا مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (رواه مسلم)، فالإسلام يمنحنا الفرصة لاستكمال عطائنا لأحبتنا بالأعمال الصالحة والصدقات والدعاء وغيرها من أعمال البر بعد موتهم، فالإسلام يمنحنا الفرصة لاستكمال عطائنا لأحبتنا بالأعمال الصالحة والصدقات والدعاء وغيرها من أعمال البر بعد موتهم.

4- عدم إعداد الأهل والأبناء للموت: فلا يهتم الكثير من الآباء بالتحدث مع أبنائهم عن الموت وبيان أنه حقيقة يقينية وأنه ليس وحشاً كاسراً نخاف منه كحال غير المسلمين، بل هو نهاية هذه الدنيا الفانية وبداية لحياة خالدة طيبة في الجنة بإذن الله، وأنه لضمان هذه الحياة الخالدة لا بد أن تكون الدنيا بالنسبة لهم داراً لجمع الأعمال الصالحة والحسنات لا لتكديس المال والركض خلف الشهوات.

وهذا لن يحدث إلا بتعديل ثقافة الآباء أنفسهم عن الموت وتمسكهم بالدنيا بحجة حرصهم على أبنائهم، مما يجعل الأبناء بدورهم يقتدون بآبائهم ويتهافتون على الدنيا، وحين يموت أحد الأبوين أو كلاهما يُصدم الابن صدمة العمر، ويحزن حزن الجازع العاجز، ويتوقف مسار الحياة بالنسبة له، وذلك أنه لم يتعلم أو يدرك حقيقة الدنيا والهدف من عيشنا فيها، ويقينية الموت وضرورة الاستعداد له، وتقبله عند حدوثه.

5- معرفة معادن الناس على حقيقتها: مهما كانت علاقتنا قوية بإنسان فإن معدنه لا يظهر حقيقته إلا في موقف الشدة، وهذه حقيقة إنسانية في التعامل مع الناس أثبتت صحتها على اختلاف الأزمنة والبشر والثقافات، فقد تجد القريب يتخلى والغريب صار قريباً، والحبيب صار عدواً، والعدو قد لان جانبه، وترى العون ممن لا تنتظر أو تتوقع، ويخيب ظنك فيمن عوَّلت عليه، لذا، كانت من أكبر الدروس التي يتعلمها الإنسان من الموت والذي يعد من أقصى التجارب الإنسانية، هو أنَّ الإنسان في مصيبة الموت يبدأ بالتعرف على الناس من جديد، ويتمكن حينها فحسب من رؤية الوجوه الحقيقية للبشر دون تكلف أو مجاملات.

6- لا توجد قاعدة واحدة قطعية للتعامل مع الموت: القاعدة الوحيدة هي عدم النواح، أو إظهار السخط على قضاء الله وغيرها من الأمور التي نُهينا عنها في إسلامنا أثناء مجابهة ابتلاء الموت، فتجد البعض يرتاح بذكر الميت وأفضاله، ورؤية صوره وسماع صوته (من خلال تسجيلات أو غيره)، والبعض الآخر يجد السلوى في الانشغال بالصلاة والدعاء، وآخر بالانشغال بأعمال الترتيب… إلخ، المهم أن يحرص الإنسان في تلك المرحلة على الاستمرار في الدعاء للميت، وسؤال الله الصبر والثبات والربط على القلوب، وأن يستمر في القيام بما يريح نفسه وضميره طالما لا يُغضب الله سبحانه وتعالى.

يعد الموت وما يتبعه من فقد ولوعة هو من أقصى التجارب الإنسانية التي قد يمر بها إنسان، وإنما يُهوِّن الأمر علينا كمسلمين ما نرجوه للميِّت من رحمة ومغفرة وراحة من نصب الدنيا وابتلاءاتها، وما نرجوه لأنفسنا من أجر الصابرين المصابرين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل