ماذا طلب رئيس هيئة الأركان الأميركية من "إسرائيل".. التهدئة أم التصعيد؟

الإثنين 27 تموز , 2020 01:21 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

ليست هذه الزيارة الأولى التي يقوم بها مسؤول عسكري أميركي رفيع لـ"إسرائيل"، فزيارات أمثاله لم تتوقف إلى الكيان، ولطالما كانت تحمل دعماً وتنسيقاً وتبادلاً للمعطيات العسكرية والأمنية. 

ووجود مسؤول الموساد في اللقاء الذي جمع الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مع رئيس حكومة العدو ووزير حربه ورئيس أركانه، هو وجود عادي وروتيني، وحيث إنّ ما يقدّمه عادةً الموساد الإسرائيلي من معطيات استعلامية، يمثّل المستند الأساس الذي تبني عليه إسرائيل، وبدعم ومساندة ومساهمة أميركية في أغلب الأحيان – عملياتها الأمنية غير النظيفة، إن لم نقل الإرهابية، فإن وجوده أيضاً ليس بالضرورة أن يحمل استعداداً لعمل خاص، بل يمكن أن يدخل في سياق الحضور الروتيني في اجتماعات كهذه لصاحب المعطيات الاستعلامية والاستخبارية الأول في الكيان.  

 اللافت في الزيارة الأخيرة للمسؤول العسكري الأميركي لـ"إسرائيل"، أنها جاءت في ظل توتر غير مسبوق، تشهده المنطقة، مع تزايد الاعتداءات الأميركية والإسرائيلية على أطراف محور المقاومة، وخاصة على إيران وحزب الله، وأيضاً تواكبت الزيارة مع "حبس أنفاس" يخيّم على الكيان الصهيوني، بعد اعتداء شنّه في سوريا ونتج منه استشهاد المقاوم في حزب الله علي كامل محسن "جواد"، وفي ظل ما هو مرتقب من ردٍّ حتمي لحزب الله على الاعتداء، استناداً إلى قواعد اشتباك واضحة ومعروفة، ثبّتتها المقاومة في أكثر من واقعة. 

في الواقع، هناك أبعاد متعددة يمكن إعطاؤها لزيارة الجنرال ميلي لتل أبيب، يمكن تحديدها بالآتي:

 صحيح أن الزيارة ليست الأولى كما ذُكر أعلاه، ولكنها الأولى بعد الإعلان السوري الإيراني المشترك عن اتفاقية مشتركة عسكرية أمنية، يستطيع بموجبها الجيش العربي السوري الاستفادة من قدرات نوعية عسكرية إيرانية متقدمة، أثبتت فعاليتها في مواجهة طائرات أميركية متطوّرة، وتحديداً نتكلم عن منظومتي الدفاع الجوي خرداد 3 وباور 373، اللتين هما باعتراف الجميع، لا تبتعدان في مميزاتهما وإمكاناتهما عن منظومة الدفاع الجوي الروسية اس اس 300. 

وحيث إنه من الطبيعي أن يجد الأميركيون والإسرائيليون أن وجود هذا السلاح النوعي على الأرض السورية، سوف ينقل مستوى المواجهة (العسكرية التقنية) الى نقطة متقدمة عن السابق، ومن المحتمل خلال هذه النقلة أن تتعرقل أو تتأخر مناورة إسرائيل التي دأبت أخيراً على تنفيذها عبر معادلة (معركة بين الحروب)، التي أوجدتها لمنع امتلاك حزب الله صواريخ نوعية، من دون الجنوح نحو حرب واسعة، لذلك سوف يكون بين المسؤول الأميركي والإسرائيليين مادة طارئة ومعطيات جديدة، تستدعيان النقاش والدراسة والمتابعة، على خلفية وضع احتمالات تطوّر "المعركة بين الحروب" وتدحرجها نحو مواجهة واسعة، وهذه المرة ستكون حتماً بين كامل أطراف محور المقاومة من جهة، وبين الجبهة الواحدة التي ستكون مستهدفة: الأميركية – الإسرائيلية.  

في الواقع، ليس مستبعَداً أن تأتي زيارة الجنرال ميلي لـ"إسرائيل"، في سياق طلب التهدئة منها وتخفيف عملياتها الحساسة، التي بدأت تستفزّ محور المقاومة، حيث لا تريد الإدارة الأميركية حالياً أيّ مواجهة واسعة، تعدّها في توقيت غير مناسب، لناحية وضع الرئيس ترامب الدقيق والخطر في الانتخابات المقبلة، الذي (وضعه) لن يكون جاهزاً لتحمّل ضغوط داخلية أكثر، ستكون على خلفية خسائر محتملة في جنوده وضباطه، الذين سوف يسقطون حتماً في هذه المواجهة المرتقبة، وعملية استهداف قاعدة عين الأسد، بِبُعديها الفني التقني العسكري أو الاستراتيجي، خير مثال على إمكانية سقوط عدد كبير من الخسائر في صفوف الجنود الأميركيين المتمركزين في مئات القواعد العسكرية المنتشرة في الخليج، والمعرّضة للاستهداف الناجح بنسبة كبيرة.

 وفي هذا الإطار، سيكون الرئيس ترامب محرجاً جداً، عند أيّ مواجهة واسعة تشترك فيها وحداته في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط حالياً، والسبب أنه كان قد اعتمد، وبنسبة كبيرة من أوراقه الإيجابية التي ربح من خلالها الانتخابات في المرة السابقة، على وعوده للناخبين الأميركيين، بتخفيف الحضور العسكري خارج البلاد، وبالابتعاد قدر الإمكان عن المواجهات العسكرية الخارجية غير المفيدة، على عكس ما كانت قد فعلته إدارة أوباما قبل الانتخابات الأخيرة. 

 أيضاً، من الوارد جداً، أن تكون زيارة الجنرال ميلي لـ"إسرائيل"، لطلب التهدئة والابتعاد عن أي مناورة أو عمل عسكري أو أمني مستفزّ حالياً لمحور المقاومة، ويكون مسبِّباً لمواجهة واسعة، والسبب الآخر لهذا التمني الأميركي هو التوتر المرتفع جداً حالياً بين الصين وواشنطن، الذي كما يبدو لم يعد بعيداً من الانفجار الحساس والمدمّر، وخاصة في ظل تصاعد التهديدات والاتهامات المتبادلة بين القوتين الكبريين، وحيث يرى الأميركيون أنهم سوف يستصعبون المواجهة المزدوجة، التي قد يتزامن بعضها مع بعض، من جهة مع الصين، ومن جهة أخرى مع محور المقاومة بقيادة إيران، وذلك أيضاً في ظل الاتفاقية الاستراتيجية الصينية الإيرانية، التي فيها الكثير من البنود العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية، التي لم تهضمها واشنطن بالأساس وكانت قد صوّبت كثيراً عليها بعدما رأت أنها ستكون جد مؤثرة سلباً عليها. 

من هنا، وحيث ليس بالضرورة أبداً أن يكون هناك زيارة لرئيس هيئة الأركان الأميركية لـ"إسرائيل"، لكي يُتخَذ قرار أميركي إسرائيلي مشترك بفتح مواجهة واسعة وحرب ضد محور المقاومة، الأمر الذي يمكن حدوثه (اتخاذ القرار بالحرب) بطريقة سرية ومن دون الإعلان عن أيّ اجتماع خاص به، وحيث تظهر وعلى نحو واضح حالياً خطورة وحساسية أيّ مواجهة واسعة في المنطقة على الإدارة الأميركية، على الأقلّ، إنْ لم نقل على الكيان الصهيوني، فمن الوارد جداً أن يكون سبب هذه الزيارة لطلب التهدئة، ولإبعاد أيّ ذرائع يمكن أن تجرّ إلى مواجهة واسعة في المنطقة حالياً. 

 

العميد شارل أبي نادر  ـ الميادين

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل