حقائق عن التصوف .. "الصحبة أهميتها وفائدتها وآثارها" - الشيخ المربي عبدالقادر عيسى

الأحد 12 نيسان , 2020 03:27 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

حقائق عن التصوف

الصحبة أهميتها وفائدتها وآثارها

الشيخ المربي عبدالقادرعيسى

 

إنَّ للصحبة أثراً عميقاً في شخصية المرء وأخلاقه وسلوكه، والصاحب يكتسب صفات صاحبه بالتأثر الروحي والاقتداء العملي، والإنسان اجتماعي بالطبع لابدَّ أن يخالط الناس ويكون له منهم أخلاء وأصدقاء، فإن اختارهم من أهل الفساد والشر والفسوق والمجون انحدرت أخلاقه، وانحطت صفاته تدريجياً دون أن يشعر، حتى يصل إلى حضيضهم ويهوي إلى دركهم.

أمَّا إذا اختار صحبة أهل الإيمان والتقوى والاستقامة والمعرفة بالله تعالى فلا يلبث أن يرتفع إلى أوج علاهم، ويكتسب منهم الخُلق القويم، والإيمان الراسخ، والصفات العالية، والمعارف الإلهية، ويتحرر من عيوب نفسه، ورعونات خُلُقِهِ، ولهذا تُعرف أخلاق الرجل بمعرفة أصحابه وجلسائه.

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم .. ولا تصحب الأردى فترْدَى مع الردي

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه .. فكلُّ قرين بالمقارن يقتدي

ومنال الصحابة رضوان الله عليهم هذا المقام السامي والدرجة الرفيعة بعد أن كانوا في ظلمات الجاهلية إلا بمصاحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالستهم له، وما أحرز التابعون هذا الشرف العظيم إلا باجتماعهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما أن رسالة سيدنا محمد عليه السلام عامة خالدة إلى قيام الساعة، فإنَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وُرَّاثاً من العلماء العارفين بالله تعالى، ورثوا عن نبيهم العلم والخُلق والإيمان والتقوى، فكانوا خلفاء عنه في الهداية والإرشاد والدعوة إلى الله، يقتبسون من نوره ليضيؤوا للإنسانية طريق الحق والرشاد، فمن جالسهم سرى إليه من حالهم الذي اقتبسوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَنْ نصرهم فقد نصر الدين، ومن ربط حبله بحبالهم فقد اتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن استقى من هدايتهم وإرشادهم فقد استقى من نبع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هؤلاء الوراث هم الذين للناس الدين، مُمَثَّلاً في سلوكهم، حيَّاً في أحوالهم، واضحاً في حركاتهم وسكناتهم، هؤلاء لا ينقطع أثرهم على مر الزمان، ولا يخلو منهم قُطر، وهؤلاء الوراث المرشدون صحبتهم ترياق مجرب، والبعد عنهم سم قاتل، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، مرافقتهم هي العلاج العملي الفعَّال لإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق، وغرس العقيدة، ورسوخ الإيمان، لأن هذه أُمور لا تُنال بقراءة الكتب، ومطالعة الكراريس، إنما هي خصال عملية وجدانية، تٌقتبس بالاقتداء، وتُنال بالاستقاء القلبي والتأثر الروحي.

ومن ناحية أخرى، فكلُّ إنسان لا يخلو من أمراض قلبية، وعلل خفية لا يدركها بنفسه، كالرياء والنفاق والغرور والحسد، والأنانية وحب الشهرة والظهور، والعُجب والكبر والبخل ... بل قد يعتقد أنَّه أكمل الناس خُلقاً، وأقومهم ديناً، وهذا هو الجهل المركب، والضلال المبين، قال تعلى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾.

فكما أنَّ المرء لا يرى عيوب وجهه إلا بمرآة صافية مستوية، تكشف له عن حقيقة حاله، فكذلك لابدَّ للمؤمن من أخ مؤمن مخلص ناصح صادق، أحسن منه حالاً، وأقوم خُلقاً، وأقوى إيماناً، ويصاحبه ويلازمه، فيريه عيوبه النفسية، ويكشف له عن خفايا أمراضه القلبية إما بقاله أو بحاله، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "المؤمنُ مِرآةُ  المؤمن".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل