12حكومة لبنانية اسقطها الشارع! ـ أحمد زين الدين

الثلاثاء 18 شباط , 2020 10:10 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

نحو 12 حكومة في تاريخ لبنان منذ زمن الإنتداب الفرنسي، تم اسقاطها بسبب الاحتجاجات الشعبية، كان أولها في عهد الانتداب الفرنسي حين عين المندوب السامي الفرنسي في آذار1943، الدكتور ايوب ثابت كرئيس للدولة والحكومة، وكانت حكومته مكونة من خالد شهاب وجواد بولس.

وثابت كما يصفه الرئيس شارل بقوله: «رجل الخلق، المعروف بسوء طباعه، اكثر مما هو معروف بالخدمات التي اداها للدولة طيلة عشرات السنوات». ويصفه الرئيس بشارة الخوري بقوله: "انه كان مزيجاً من صفات طيبة ونقصان سياسي تغذيه انانية بالغة فيها بعض الإباء وكبر النفس".

كانت مهمة ثابت اجراء انتخابات نيابية يعقبها انتخاب رئيس للجمهورية، فاصدر في 17 حزيران 1943 مرسوماً تشريعياً حدّد به عدد النواب وتوزيع الكراسي على المحافظات والطوائف، فتقرر ان يكون 32 مقعداً للمسيحيين و22 مقعداً للمسلمين، فأثار عمله هذا احتجاجاً صارخاً من قبل الطوائف المحمدية، ووجوماً لدى العناصر المسيحية التي تعلق كما يقول الرئيس الخوري "اهمية جوهرية على قيام العلائق الحسنة بين الفئتين اللتين يرتكز عليهما قيام الوطن. وتنادى المسلمون إلى مؤتمر عام في بيروت وانعقد على وجه شامل، ولم يحضر سوى ممثلين عن السنّة والشيعة والدروز، وألقيت خطب قاسية جداً واعتراضات قوية كادت تشل الحكومة وتثير الفتنة، مما اضطر الجنرال كاترو لأن يعود من الجزائر على جناح السرعة لتلافي وقوع حوادث طائفية".

ويؤكد جواد بولس انه حاول ان ينبه الرئيس أيوب ثابت إلى مخاطر المواجهة مع المسلمين، طالباً إليه العودة عن قانون الانتخابات، وان يعد العدة لقانون جديد لكن الرئيس المعين رفض ذلك.

المهم، ان الحكومة الجديدة "بدأت الاعداد للانتخابات النيابية، ولم تلبث ان اصطدمت برغبة الجنرال سبيرز القائل بعدم الاعتماد على الإحصاءات المعمول بها، لأنَّ فيها عشرات من أسماء المغتربين الذين لا يعيشون  في لبنان، وهذه الإحصاءات تجعل عدد النواب المسيحيين زائداً زيادة نعتها الجنرال سبيرز بأنَّها مفتعلة، لكن حكومة الدكتور أيوب ثابت اصرت على اجراء الانتخابات بموجب الإحصاءات فرفض سبيرز حجتها رفضاً جازماً، وفجأة تحرك الشارع واضطرب الرأي العام وبدأ الغليان، وقامت تظاهرات عاصفة هددت الأمن في لبنان كلّه، مما جعل النحاس باشا يتدخل في الأمر، واقتنع كاترو بوجوب الضغط على الحكومة كي تحقق رغبة سبيرز".

ويعلق الجنرال كاترو على هذه التطورات: في 18 آذار 1943 الفت حكومتين مؤقتتين في دمشق ولبنان  لهما مهمة تحضير عودة الحياة الدستورية بانتهاج انتخابات نيابية، جئت إلى لبنان في القسم الأوّل من شهر تموز حيث كانت الانتخابات النيابية تهيَّأ في جو محموم، وكان النضال بارزاً بين الجنرال سبيرز والمندوبية الفرنسية وكان لافتا، اتحاد الطوائف المحمدية لمقاطعة الانتخابات وذلك على اثر تحيّز رئيس الدولة آنئذٍ أيوب ثابت مع الفئة المسيحية بإصداره قراراً يسجل بموجبه المهاجرون اللبنانيون في قائمة الناخبين. لاكثار عدد مقاعد المسيحيين في المجلس المقبل. وقد اثار هذا العمل البلاد العربية فهبت لمساعدة المسلمين في احتجاجهم وحضتهم على مقاطعة الانتخابات، الأمر الذي أوجب عليها التدخل لدى أيوب ثابت وطلبت منه ان يعود عن قراره، فرفض وآثر الانسحاب من الحكم فعين بترو طراد مكانه.

دماء  وردة بطرس ابراهيم

في العام 1946، وخلال العهد الاستقلالي الأول برئاسة بشاره الخوري، أطاحت حركة عمالية واسعة لعمال الريجي بالحكومة الاستقلالية الخامسة برئاسة سعدي المنلا، فقد كانت مطالب عمال إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي) تتلخص في:

  • تحسين ظروف العمل
  • تخفيض ساعاته إلى ثمان ساعات يوميا
  • تصحيح الأجور.

وهكذا أعلنت نقابة عمال الريجي الإضراب في 11 حزيران، لكن إدارة الشركة رفضت إعطاء العمال حقوقهم وفصلت 24 عاملا وطلبت دعم الدرك لكسر الإضراب وإخراج الإنتاج الموجود داخل المعمل.

في حزيران أصدر وزير الداخلية في حكومة سعدي المثلا، صائب سلام أمرا بكسر الإضراب، فسارع رجال الشرطة الذين كانوا يرافقون شاحنةَ للريجي إلى إطلاق النار لتفريق العاملات وإخلاء الطريق. هرع زملاؤهنّ لحمايتهنّ، فأطلق رجالُ الشرطة النار مباشرةً على أجسادهنّ المطروحة أرضًا. ولأربعين دقيقةً متواصلة، راح رصاصُ الشرطة ينهمر على الطرق، وبين أرجل المُضربات والمضربين، وعلى الجدران والأشجار المحيطة بالمكان.

قُتلت العاملة وردة بطرس إبراهيم على الفور عندما أصيبت برصاصة في رأسها، وكانت مجزرةً حقيقيّةً، جُرح فيها أيضًا ١٢ عاملًا وعاملةً، وثلاثةُ أشخاص من المارّة لا ناقة لهم ولا جمل، وأُصيب عاملٌ وعاملةٌ من الريجي بعطلٍ دائم. وواصلت الشرطةُ قمعَها، فراحت تطارد العاملات والعمّال في الشوارع والأزقّة المحيطة بالمَحَلّة، فتمكّنتْ من اعتقال تسعةٍ من المقاومين المضربين. المُضحك المُبكي أنّ وزارة الداخليّة أصدرتْ بيانًا كاذبًا، ادَّعت فيه أنّ العمال هم الذين بادروا إلى إطلاق النار.

صُعقَ الرأيُ العامّ بأخبار هذه الجريمة، وبالوحشيّة التي مارسها رجالُ الشرطة وأسيادُهم ضدّ إضرابٍ سلميّ قام به مواطنون لبنانيّون عُزّل. وجاءت ردودُ الفعل الأولى من القيادة العمّاليّة التي دَعَت عمّالَ لبنان إلى التوقّف عن العمل عشرَ دقائق استنكارًا لممارسات الحكومة الوحشيّة وشركة الريجي، وتضامنًا مع عاملات الدخان وعمّاله. وراح عددٌ كبير من نوّاب لبنان ورؤساء الأحزاب والجمعيّات الأهليّة والعمّاليّة، يندد بأعمال وزارة الداخلية الوحشية.

وتحوّلت المناسبة إلى ما يشبه العرسَ الوطنيّ لـ"وردةِ الإضراب،" الشهيدة وردة بطرس إبراهيم، ضدّ "شوك الحكومة" وصائب سلام. فقد أثار استشهادُها، وقوع عشرات الجرحى العاملات والعمّال، مشاعرَ الغضب على السلطة وشركةِ الريجي. وفسحَتِ في المجال واسعًا للتعبير عن دعم مدنيّ لمطالب عمّال الدخان. والأهمّ من ذلك كلّه كان ازدياد حجم التأييد الشعبيّ للمطلب الأساس الذي رفعتْه الحركةُ العمّاليّة، وهو إقرار قانون العمل.

أمّا زميلات وردة وزملاؤها، فراحوا يحومون حول منزل صائب سلام أيّامًا عديدة، وهم يقيمون المظاهرات الصامتة أو "يُصفّرون،" ويلقون بمسؤوليّة المأساة على عاتقه حين أعطى أوامرَه بفتح النار على المضربات والمضربين، لقد بقيت ندوب هذه المقتلة على جسد الحكومة بفعل اوامر وزير الداخلية الدموية، دون العودة إلى رئيسه، فأثر الرئيس سعدي المثلا بعد إقرار قانون العمل اللبناني الأول الاستقالة في النصف الأول من شهر كانون الأول 1946.

(يتبع)


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل