أعلام التصوف ... السيد الشريف محمد علوي المالكي

الثلاثاء 05 تشرين الثاني , 2019 01:44 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

 السيد الشريف محمد علوي المالكي

 اسمه:

السيد محمد الحسن بن علوي بن عباس بن عبد العزيز المالكي مذهباً، المكي الحسني الإدريسي نسباً (1424م – 1365هـ).

ولادته:

ولد السيد رحمه الله تعالى في شهر رمضان المعظم من عام (1365ه) في بيت المالكي المعروف، بباب السلام بمكة المكرمة. وبيت المالكي هو بيت سيادة وشرف، وعلم وفضل منذ مئات السنين، فقد نال أهل هذا البيت الشرف والفضل والتكريم بالعلم والعمل والنسب النبوي الشريف.

 ويتصل نسب السيد رحمه الله بالسلالة النبوية الشريفة فهو: السيد محمد بن العلامة علوي بن العلامة السيد عباس ابن العلامة السيد عبد العزيز بن السيد محمد المالكي المكي الحسني الإدريسي، إلى سيدنا إدريس الأزهر بن إدريس الأكبر ابن عبد الله الكامل “المحض” بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ابن سيدنا علي وسيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيدنا رسول الله ﷺ.

 نشأته:

لقد نشأ هذا السيد العالم نشأة أهل الاصطفاء في أحضان أسرته القرشية الهاشمية التي ورثت العلم والزهد والتقوى كابراً عن كابر، فآل المالكي المكيون الحسنيون بدءاً من العلامة السيد عبد العزيز المالكي (ت: 1324 هـ)، فابنه العلامة السيد عباس المالكي (ت: 1353 هـ)، وصولاً إلى جمانة العقد وواسطته ابنه العلامة الأديب السيد علوي المالكي (ت: 1391 هـ)، كلهم أهل شرف وعلم وفضل، فكل منهم عالم فاضل حافظ لكتاب الله كما نجد منهم المدرس، والإمام والخطيب بالمسجد الحرام، وقد نالوا الفضل والتكريم بالعلم والعمل والنسب النبوي الشريف. وأبرز من ترك منهم أثراً ظاهراً والده السيد علوي رحمه الله.

صفاته الخُلُقية:

لعل من أبرز ما يميز العالم العامل من غيره كرم الأخلاق، وطيب السجايا، ولذلك كان السيد رحمه الله من الذين ورثوا أخلاق النبوة التي ليس لها حد فتحصر وإنما أشار إليها القرآن الكريم بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فلنستنشق عبقاً من بعض أزاهير روضة أخلاقه الغناء.

داعية التسامح:

في زمن كثر فيه التقاتل على الدنيا وصارت المادية تحكم مجتمعه وتسوس قادته، وتتحكم فيه، قلما نجد من يسمو فوق ذلك كله، فيحرر نفسه من ربقة الماديات، ويطلق العنان لروحه في سماء النقاء، فيكون كالنسمة بل كالنحلة، هكذا كان السيد محمد رحمه الله فلم يكن يسمح أن تقع مشكلة بينه وبين أحد من الناس فضلاً عن المسلمين، ثم هو يسمو فوق ذلك فلا يرضى بتكدير الخواطر فمن أعظم أخلاقه التي تنبئ عن طهارة السريرة أنَّه كان إذا أغضب أحداً -وكان لا يفعل ذلك إلا بالحق- ولو كان المغضب من تلاميذه، فإنَّه لا يبيت ليلته حتى يتصل به ويسترضيه ويطيب خاطره. وقد حاول السيد رحمه الله في جميع مؤلفاته أن يرسي دعائم التسامح الديني، ويدعو إلى الوئام، ويبث السلام.

جوده وسخاؤه:

عرف السيد محمد رحمه الله الكرم والجود والسخاء بقوله: هو الإنفاق عن رضا فيما يعظم نفعه وخطره، أو بذل المال في سبيل من سبل الخير والبر، وفي الجانب التطبيقي نجد السيد رحمه الله جواداً كريماً كثير البذل والعطاء، وقد قال الشيخ محمود الإسكنداراني: إنَّ السيد لم يكن يقبل لطلابه -الداخليين- الصدقة، سواء كانت زكاة مفروضة أو غير ذلك، كما لم يرتض لهم الهبات، بل ينفق عليهم من حر ماله، فهو بحق آية عصره، وجوهرة زمانه.

قال السيد عيدروس العيدروس: لم أر مثل السيد في الكرم والإنفاق خاصة على طلبة العلم، مع الخلق الرفيع والأدب البديع.

ولم يكن كرم السيد محمد رحمه الله كرماً مادياً فحسب بل كرماً معنوياً أيضاً إذ أعطى لهذه الأمة كل ما لديه من طاقة، فنشر فيها الأذواق الروحية الراقية العميقة ولم يأخذ لنفسه شيئاً.

حلمه وأناته:

قال الشيخ محمود الإسكنداراني في حلم السيد رحمه الله تعالى: لم يعاتبني ولم يعاقبني على خلاف بيني وبينه ليس من سمته أن يعاقب أحداً من تلاميذه، إذ كان يحب الشباب ويقربهم، وكان لا يظهر غضبه إلا إذا تُعُدي على حق من حقوق الله ورسوله، أما إذا كان التعدي على حقوقه فكانت شيمته الصفح والعفو، وكان كثير العمل بقوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، ولا سيما مع خصومه، فقد بلغه أنَّ أحد المنتسبين إلى العلم وهو عبد الله بن سليمان المانع ألف كتابا سماه: (حوار مع المالكي) شتم فيه السيد بأقبح الشتائم، وأفحش الألفاظ، وألصق به أسوأ التهم، وطعن فيه، فطلب من السيد الرد عليه، فلم يزد على أن قال: أنا لا أرد على هذه المهاترات.

فانبرى جماعة من العلماء للدفاع عن السيد محمد رحمه الله، منهم السيد يوسف الرفاعي، فألف كتابا سماه (الرد المحكم المنيع على عبد الله بن مانع).

شجاعته في قول الحق:

فمن مواقفه الشجاعة إنَّه حضر يوماً في مجلس الملك فهد رحمه الله، فقام أحد الحاضرين فقال: إنَّ الملك عبد العزيز رحمه الله فتح مكة، فما كان من السيد إلا أن قام فقال: الذي فتح مكة هو سيدنا رسول الله ﷺ، وأما الملك عبد العزيز فقد دخل مكة.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ السيد رحمه الله كان محبوباً محترماً مقدماً لدى الجميع ولا سيما ولاة الأمور لأنَّه زهد في الدنيا، ولم يقف على أبواب الأمراء والملوك بل هم من احتاج لعلمه، وهذا شأن كبار سلفنا الصالح، قيل لأهل البصرة: من سيدكم؟ قالوا: الحسن البصري فقيل: بما سادكم؟ فقالوا: احتجنا لعلمه، واستغنى عن دنيانا.

 رحلاته في العلم والدعوة:

رحل السيد رحمه الله في طلب العلم الي مصر والمغرب وسوريا والهند وباكستان، واستفاد كثيراً من هذه الرحلات من اطلاع على علم وقراءات وأحاديث جليلة واطلاع على آراء متنوعة من كل المذاهب وجمع للمخطوطات ولقاء الرجال ومعرفة الآثار وزيارة المشاهد وكتابة الفوائد.

وكانت للسيد رحمه الله رحلات متعددة شملت كثيراً من بلدان العالم الإسلامي نفع بها المسلمين، فكانت له رحلات من أجل الدعوة إلى الله إلى بلدان شرقي آسيا كإندونسيا وماليزيا كما افتتح بها المدارس والمعاهد المتخصصة بتدريس علوم الشريعة الغراء، وكان لسان حاله يقول:

ياغيث تسقي كما نسقي على ثقة ...أنت الحقول ونحن الأنفس الزهرا

نداك يربي لعيش الناس بلغته ... أما ندانا فيحيي القلب والفكرا

 

منهجه في التربية:

قال الشيخ محمد فريد بن حسين “أبو زبيبة”: إنَّ السيد محمد كان كثيراً ما يقول: التصوف يدور مع العصر، وطريقتي أنا البخاري ومسلم وملازمتي.

قال الدكتور حمد عبد الكريم: وفي قوله: "التصوف يدور مع العصر" عدة أمور:

أنَّ منهج التصوف منهج كامل خالد خلود دين الإسلام لا تحول دون استمراره الدهور، ولا تغيره الأزمان ولا العصور.

أنَّ التصوف تنقية لباطن الإنسان وهو أمر لا يستغني عنه أهل زمن من الأزمان ما داموا ينشدون الطمأنينة الدنيوية والسعادة الدائمة الأخروية.

ليس للتصوف طقوس ثابتة لا تقبل الاجتهاد ولا تقبل التغيير بل هو ينظر إلى حاجات كل عصر وظروفه، وفي ذلك ردٌّ قاطع لألسنة المتطاولين الذين يتخذون من عبادات الأقدمين كالخلوات الطويلة مطعنا في التصوف، والسيد رحمه الله يشير بذلك إلى أنَّ مثل تلك العبادات كانت حاجة من حاجات ذلك العصر، وكانت الحياة بسيطة حينئذ مما يسهل تلك العبادات، أما في هذه الأزمنة التي عظمت فيها متطلبات الحياة ومسؤولياتها وحاجاتها وأصبح الإنسان لا يحوز قوت يومه إلا بأدائه للعمل اليومي المستمر، فقد انتفت الحاجة إلى الخلوات الطويلة، وأظهر أئمة التصوف -منهم السيد- طرقاً جديدة توصل إلى نفس المقصود وهو تزكية النفس ولكنه من طريق آخر هو ثابت بنص القرآن قال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.

 ومعلوم أن التجارة والبيع الحلال لا يجوز أن يغلب ويطغى على ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كما قال السيد لأحد طلابه الذين يستأذنونه في الرجوع إلى بلادهم: "لا تغلب التجارة على العلم".

نبذة من كراماته:

قال الدكتور حمد عبد الكريم في كتابه المذكور: وقد أخبرني السيد أحمد فتاح الفيتوري -وهو من ليبيا- أنَّه كان مسجوناً عام (2002م)، وفي إحدى ليالي ذلك العام رأى السيد محمد في المنام فبشره بقرب الفرج، فلم يلبث أن أفرج عنه.

قال حمد عبد الكريم: ولعلي أذكر بعض بركات مجلسه الشريف فمنها: إنني ومنذ أول حضور لي مجلسه كنت أرى الرحمات والبركات تتنزل على مجلسه، والسكينة تغشاه ما دام منعقدا، وهذه السكينة تصيب جميع الحاضرين فترق أفئدتهم وتنهمر دموعهم، وتسطع وجوههم نوراً وتمتلئ نقوسهم حبوراً، وتهتز أرواحهم طرباً وشوقاً إلى الله ورسوله ﷺ، فمن باكٍ متبتل، ومن داعٍ متذلل، ومن خاشع ساكن، ومن مرتق إلى معالي الكمال، ومستغرق في حضرة الجلال، ومن مستأنس بنفحات الجمال، فمجلسه لحظات من السكون والفرار إلى الله، لا سلطان للماديات فيه، بل يشعر كل من حضر أنَّ الله جليسه، وهذه صفة مجلس رسول الله ﷺ، وبركات كل مجلس تنبثق من قائده ثم تعم الحاضرين. ومن كراماته أنني كنت أقوم بعمل من الأعمال الصالحة التي تكون بين العبد وربه ولا يطلع عليها أحد، فإذا أتيته أخبرني بذلك العمل نصاً ومعنى.

ومن كراماته أنَّه منّ الله تعالى عليه بالاجتماع بالنبي ﷺ وبالخضر عليه السلام يقظة بالمدينة المنورة، وأنَّه لم يسافر إلا بإشارة وإذن من النبي ﷺ أو أهل بيته.

ومن كرامات السيد أنَّه أخذ وأمسك كف أحد تلاميذه الذين رجعوا إلى بلادهم وتزوجوا وقال: “أولادك ثلاثة ذكور اسم أولهم كذا.. وثانيهم كذا.. وثالثهم كذا..” وتحقق قوله.

ومن كراماته أنه لم يكن يرغب أن يصلي عليه الشيخ السديس صلاة الجنازة، لأنَّ السديس لم يكن من محبيه، وكان يرغب أن يصلي عليه الشيخ السُّبيل، فحدث ما أحب إذ تخلف الشيخ السديس وانشغل بصلاة البعدية لفرض العشاء، ولم يصل مع الجماعة صلاة الجنازة.

 وفاته رحمه الله:

توفي في بيته بمكة المكرمة فجر الجمعة 15 رمضان في سنة 1425 هـ. وقد صلي عليه صلاة الجنازة في المسجد الحرام ودفن في مقبرة المعلاة في جنازة مهيبة، كما حضر مراسم الدفن والعزاء الكثيرين من وجهاء البلاد وأصدقاء الشيخ وتلاميذه.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل