حقائق عن التصوف... تصحيح مفهوم الزهد

الإثنين 04 آب , 2025 07:41 توقيت بيروت تصوّف

 الثبات-تصوف

من تعريفات الزهد السالفة الذكر وبيان مشروعيته يتضح أن الزهد مرتبة قلبية؛ إذ هو إخراج حب الدنيا من القلب، بحيث لا يلتفت الزاهد إليها بقلبه، ولا ينشغل بها عن الغاية التي خلقه الله من أجلها

وليس معنى الزهد أن يتخلى المؤمن عن الدنيا فيفرغ يده من المال، ويترك الكسب الحلال ويكون عالة على غيره وقد أوضح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المقصود الحقيقي من الزهد حين قال: ((الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة أن تكون بما في يد الله تعالى أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت به أرغب منك فيها لو أنها أبقيت لك))

قال العلامة المناوي رحمه الله تعالى معلقا على هذا الحديث: "فليس الزهد تجنب المال بالكلية بل تساوي وجوده وعدمه، وعدم تعلقه بالقلب إليه، فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قدوة الزاهدين، يأكل اللحم والحلوى والعسل، ويحب النساء والطيب والثياب الحسنة، فخذ من الطيبات بلا سرف ولا مخيلة، وإياك وزهد الرهبان"

وهكذا فهم السادة الصوفية أن الزهد مرتبة قلبية، قال عمرو بن عثمان المكي: "اعلم أن رأس الزهد وأصله في القلوب هو احتقار الدنيا واستصغارها، والنظر إليه بعين القلة، وهذا هو الأصل الذي يكون منه حقيقة الزهد"

وقد عبر سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله سره عن مفهوم الزهد الحقيقي تعبيرا واضحا جامعا حين قال: "أخرج الدنيا من قلبك وضعها في يدك أو في جيبك، فإنه لا تضرك"

وفي هذا المعنى قال بعض العارفين: "ليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك وهي في قلبك، وإنما الزهد أن تتركها من قلبك وهي في يدك"

ولهذا عرّف ابن عجيبة الزهد بقوله: "هو خلو القلب من التعلق بغير الرب"

وقد بين الإمام الزهري رحمه الله تعالى أن من معاني الزهد الحقيقي أن تشكر الله تعالى على ما رزقك من الحلال، وأن تحبس نفسك عن طلب الحرام قانعا بما قسم لك من الرزق، فقال حين سئل عن زهد المسلم: "هو أن لا يغلب الحلال شكره، ولا الحرام صبره"

وقد أوضح العلماء أن المقصود من ذم الدنيا الوارد في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ليس ذما لذاتها، وإنما هو تحذير من الانشغال القلبي بها؛ بأن يجعلها المؤمن غاية يسعى إليها بكل إمكانياته، ناسيا غايته الأساسية، وهي الفوز برضاء الله تعالى

 فنعمت الدنيا مطية المؤمن ووسيلة إلى التقرب إلى الله تعالى، وبئست الدنيا إذا كانت معبوده وفي هذا المعنى قال العلامة المناوي رحمه الله: "فالدنيا لا تذمّ لذاتها فإنها مزرعة الآخرة، فمن أخذ منها مراعيا للقوانين الشرعية أعانته على آخرته، ومن ثمّة قيل: لا تركن إلى الدنيا، فإنها لا تبقى على أحد، ولا تتركها فإن الآخرة لا تنال إلا بها"


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل