الانسحاب الأميركي من سورية استحقاق مؤجّل... ولكن!

الثلاثاء 08 تشرين الأول , 2019 11:33 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

– لا نريد هنا مناقشة اسباب الانسحاب الأميركي من سورية سواء الجزئي أو المتدرج أو الشامل، فهو استحقاق مؤجل منذ معركة تحرير حلب، وسقوط أي فرصة لتعديل موازين القوى العسكرية بوجه الدولة السورية. والتأجيل مر بثلاث مراحل. في الأولى كان بالرهان على النجاح في إدارة الحرب على داعش بما يضمن تدحرجها في الجغرافيتين السورية والعراقية، وقد افشله محور المقاومة بانتصاره في معارك الموصل ودير الزور والبادية وتدمر. والثانية بالرهان على مقايضة الوجود الأميركي بالوجود الإيراني والمقاوم في سورية ضماناً لأمن إسرائيل، كشرط من شروط التسوية التي تقبل بها واشنطن في سورية، وقد سقط رهان المقايضة نهائياً، واقتنع الروس بأن لا إمكانية لبحث وجود إيران وقوى المقاومة ما دام الجولان السوري محتلاً، ويعلن كيان الاحتلال ضمه وتؤيده واشنطن في ذلك، أما المرحلة الثالثة فكانت الرهان على عقدة إدلب بوجه تقدّم مشروع الدولة السورية لفتح استحقاق الخروج الأميركي، على قاعدة أن إدلب كآخر معقل للمسلحين والوافدين من الإرهابيين وللأتراك ستشكل تغييراً في وجهة الحرب التي كتبتها معارك حلب وما بعدها وصولاً إلى درعا، حتى قالت معركة خان شيخون العكس، فصار قرار الانسحاب على الطاولة راهناً.

– لا نريد هنا أيضاً مناقشة تبعات الانسحاب، الذي باعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرئيس التركي رجب أردوغان، وكل منهما يعلم أن ترامب وجد الذريعة لخروج مما أسماه الحروب اللانهائية السخيفة، لأن جوهر القرار هزيمة المشروع الأميركي في سورية، ولن يغير من ذلك ما سيقوله كثيرون عن مؤامرة تفجير الشمال السوري، وتقسيم سورية، لأنه كيفما دارت البدايات بعد القرار الأميركي، فإن النهايات ستكون انتشار الجيش السوري حتى الحدود الدولية، وعودة تركيا إلى اتفاقية أضنة، وسقوط مشروع الكانتون الكردي، وانضمام الأكراد إلى مسار الحل السياسي كمكوّن من مكونات المجتمع السوري، والرابح سيكون حكماً هو مشروع الدولة السورية، سواء أدركت القيادات الكردية مبكراً حجم ترددها بالتسليم بالأحقية السيادية على الجغرافية السورية للدولة السورية، واستبقت بفعل ما يلزم الخطوة التركية الأولى، او واصلت التردد وسبقتها الخطوة التركية الأولى، ففي الحالين سيكون الجيش السوري هو الجهة القادرة على فرض عودة الأمن إلى المنطقة، التي لن يكون إمساك أي طرف بأمنها، غير الدولة السورية، نزهة كما يعتقد، لا الجيش التركي سينجح بالاستقرار، ولا الجماعات الكردية ستستطيع الصمود.

– ما نريد مناقشته هي العبر التي يقدّمها ما يجري شمال سورية، فما هو حال جماعات المعارضة السورية التي تقاتل تحت راية العلم التركي، بعدما كانت تتشدق بشعارات الاستقلال والسيادة، وهي لا تشبه اليوم إلا جماعة أنطوان لحد في جنوب لبنان، تحت راية المحتل الإسرائيلي، ويعلم منافقو المعارضة أن تركيا وما تضمره لسورية لا يختلف بنظر السوريين على اختلافهم عما يضمره كيان الاحتلال للبنان وفلسطين وسورية؟ وما هو حال الجماعات الكردية التي تعاملت مع الاحتلال الأميركي كضامن لسلخ جزء من الوطن وتحويله كياناً تفتيتياً لوحدته، وها هي اليوم تندب حظها وتتحدث عن الطعن في الظهر، بعدما جربت طعن وطنها السوري ودولتها في الظهر، ورفضت تقديم وطنيتها على المال والنفط والوعود التي تسقط بفخاخها اليوم؟ وماذا عن العرب حكاماً وبعض النخب الملتحقة بهم، الذين لا زالوا يظنون أن أمامهم مزيد من الوقت ليراقبوا ما يجري في سورية قبل الاعتذار وطلب الصفح لما فعلت أيديهم، أو الذين راهنوا على أميركا مرة لتحمي دول الخليج من إيران، فباعت أمنهم لأنصار الله اليمنيين، أو راهنوا عليها لتشفي غليل أحقادهم ضد سورية وإيران وحزب الله وقوى المقاومة، وها هي تتركهم، وستتركهم أكثر يواجهون مصيرهم الأسود كأحقادهم، بينما تكلفة الاعتراف بنصر محور المقاومة لن ترتب عليهم سوى صفاء النيات، لتلاقيهم الأيدي الممدودة التي لا تعرف للثأر والانتقام مكاناً.

 

ناصر قنديل ـ البناء

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل