الحكم العطائية ... "أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنها. ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه، خير لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه، فأي علم لعالمٍ يرضى عن نفسه؟ وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه؟"

الأحد 18 آب , 2019 02:00 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - إسلاميات

آفة الرضا عن النفس 

 

نقف اليوم مع حكمة ربانية من كلام الإمام العارف بالله والعالم بخفايا النفس البشرية وهو يرشدنا لأمراض النفس وكيفية معالجتها للوصول لمرضاة الله تعالى.

قال الإمام ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه في الحكم:

"أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنها. ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه، خير لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه، فأي علم لعالمٍ يرضى عن نفسه؟ وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه؟"

أي: أنَّ النظر إلى النفس بعين الرضا يوجب تغطية عيوبها، ويصير قبيحها حسناً. والنظر إليها بعين السخط يكون بضد ذلك، على حد قول القائل :


وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا


فمن رضي عن نفسه، استحسن حالها، فتستولي عليه الغفلة عن الله تعالى، فينصرف قلبه عن مراعاة خواطره، فتثور عليه الشهوة وتغلبه؛ لعدم وجود المراقبة القلبية التي تدفعها، فيقع في المعاصي لا محالة. فعطف الغفلة والشهوة على المعصية، من عطف السبب على المسبب. وكذا عطف اليقظة والعفة على الطاعة، فإنَّ اليقظة التي هي التنبه لما يرضي الله تعالى، والعفة التي هي علو الهمة عن الشهوات، يتسبب عنهما الطاعة التي هي اتباع المأمورات، واجتناب المنهيات. وإنما كان الرضا عن النفس أصل كل المعصية؛ لأنها أمارة بالسوء، فهي العدو الملازم.

 وفي الحديث: "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك "

 وناهيك قول زليخا في سورة يوسف: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي أن النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}.

ولله در الإمام البوصيري حيث قال:

وخالف النفس والشيطان واعصهما ... ... وإن هما محضاك النصح فاتهم
ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً ... ... فأنت تعرف كيد الخصم والحكم


ولما كان الرضا عن النفس، من شأن من يتعاطى العلوم الظاهرية، التي لا تدل على عيوب النفس، نهى المصنف عن صحبتهم بقوله: ولأن تصحب؛ أي لَصُحْبَتُكَ لشخصٍ جاهل لا يرضى عن نفسه، خير لك في تحصيل فائدة الصحبة التي هي الزيادة في حالك، من أن تصحب عالماً بالعلوم الظاهرية، يرضى عن نفسه. فإنَّ المدار في الانتفاع بالصحبة، إنما هو على العلم بعظمة الله وجلاله وإحسانه، الذي ينشأ عنه معرفة النفس وعيوبها، لا على العلوم العقلية والنقلية.

فأي علم؛ أي نافع لعالم بالعلوم الظاهرية يرضى عن نفسه؟، وأي جهل ضار لجاهل بالعلوم الظاهرية لا يرضى عن نفسه؛ لعلمه بعيوبها؟، فإن المتهم لنفسه  وإن قَلَّتْ بضاعته من الأحكام، لابدَّ أن يحصلها بالوقائع على مدى الأيام. فلا ينبغي لطالب مرضاة الله  أن يصحب إلا من يكون عارفاً بعيوب نفسه، غير راضٍ عنها؛ ليقتدي به في أفعاله، فإن الطبع سراق .كما قيل:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ... ... ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل