الحكم العطائية ... "ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقيقة: الذي تطلب أمامك ولا تبرجت له ظواهر المكونات إلا ونادته حقائقها: {إنما نحن فتنة فلا تكفر}"

الإثنين 24 حزيران , 2019 09:35 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - إسلاميات

المكاشفات وخوارق العادات

"ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقيقة: الذي تطلب أمامك ولا تبرجت له ظواهر المكونات إلا ونادته حقائقها: {إنما نحن فتنة فلا تكفر}"

 

حكمة اليوم من حكم إمامنا العارف الصوفي ابن عطاء الله يغوص فينا بها إلى معنى صوفي عميق، يتجلى فيه إخلاص هؤلاء الكرام بصدق طلب الله والعبودية له، ويخبر أنَّ الصوفي المجاهد لنفسه الذي ترك الملذات وكثير من المباحات طلباً لرضا الله، إنَّ ربنا تبارك وتعالى يكرمه بأنوار وخوارق للعادات لا تكون لغيره، لكن ربما كانت فتنة إذا شغلته عن مقصوده الأول وهو الله، الله ولا شيء سواه.

فقال الإمام: "ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقيقة: الذي تطلب أمامك ولا تبرجت له ظواهر المكونات إلا ونادته حقائقها: {إنما نحن فتنة فلا تكفر}"

فالسائر إلى الله تعالى قد يتجلى له أثناء سلوكه ومجاهدته أنوار وأسرار، وكلما أرادت همته أن تقف عند ما كشف لها من ذلك لاعتقاده أنه وصل إلى الغاية القصوى والنهاية من المعرفة نادته هواتف الحقيقة: المطلوب الذي تطلب أمامك، فجدّ في السير، ولا تقف فإن تبرّجت له ظواهر المكونات بزينتها، فمال إلى حسنها وجمالها نادته حقائقها الباطنة، إنما نحن فتنة فلا تكفر، وغمض عينيك عن ذلك، ولا تلتفت إليه، ودم على سلوكك وسيرك، واعلم أنَّه ما دامت لك همة واردة فأنت بعد في الطريق لم تصل، فلو فنيت عنهما لوصلت.

 

وما أحسن قول الشيخ أبي الحسن الشُّشتري في هذا المعنى:

 

فلا تلتفــت فــي الســير غيراً وكــل ما ... سوى الله غيــٌر فاتّخذ ذكره حصناً

وكـــل مقـــــام لا تقـــم فـــيه إنــــه ... حجاب، فجد الســير واستنجد العونا

ومهما ترى كــل الـــمراتب تجــتلـى ... عليك فَحُل عـنها فعن مثــلها حُلنَــا

وقل: ليـس لي في غير ذاتك مطلـبٌ ...فلا صورةٌ تُجلّى ولا طَرفـَةُ تُجنَــــــى

 

فالتزم التوبة بالرعاية لقلبك: ألا يشهد ذلك منك بحال، فتعود إلى ما خرجت عنه، فإن صحت هذه منك نادتك الهواتف أيضا من الحق تعالى: التوبة منه بدت والإنابة منه تتبعها، واشتغالك بما هو وصف لك حجاب عن مرادك، فهنالك تظهر أوصافك، فتستعيد بالله منها، وتأخذ في الاستغفار والانابة، والاستغفار طلب الستر من أوصافك بالرجوع إلى أوصافه، فإن كنت بهذه الصفة، أعني: الاستغفار والانابة ناداك عن قريب: اخضع لأحكامي، ودع عنك منازعتي، واستقم مع إرادتي برفض إرادتك، وإنما هي ربوبية "تولت عبودية" وكن عبداً مملوكاً، لا تقدر على شيء، فمتى رأيت منك قدرة وكلتك إليها، وأنا بكل شيء عليم، فإن صحّ لك هذا الباب ولزمته أشرفت من هناك على أسراره، لا تكاد تُسمَعُ من أحد من العالمين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل