الدولة اللبنانية الممنوعة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 31 أيار , 2019 02:06 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تقطع التطورات اللبنانية المتلاحقة والمتكررة بأشكال والوان متعددة، بأن قيام دولة حقيقية في لبنان هو من الأمور الصعبة، إلى حد الإستحالة، ما لم تكن هذه الدولة "جمهورية موز" تعمل في خدمة المشروع الإستعماري الغربي والأميركي ومصالحه، ممثلة بالكيان الصهيوني العنصري الذي يحتل فلسطين. وبالتالي، فإن أي مسعى لإقامة الدولة الوطنية لا يمكن إلا أن يتم إنتزاعاً من براثن ومخالب هذا الوحش الذي يجر بسلاسله معظم دول وحكام منطقتنا العربية.

في سبعينيات القرن الماضي إستطاعت الحركة الشعبية اللبنانية تحقيق الكثير من المطالب الإجتماعية والسياسية. ودفعت مشروع تغيير بنية نظام الفساد الطائفي الرأسمالي إلى الأمام، فكان أن فجرت في وجهها حرب أهلية تحججت بمقاومة الوجود الفلسطيني المسلح، لكن الحقيقة بانت عند إنجلاء الغبار، فإذا بنظام الفاسدين الذين أسماهم الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب "أكلة الجبنة"، يتعزز ويترسخ في طائفيته ومحاصصته ومعاداته لمصالح اللبنانيين وسعيهم للعيش في ظل دولة المواطنة، التي تعاملهم حسب كفاءاتهم وليس وفق إنتمائهم الطائفي والمذهبي. وكان من نتيجة ذلك أن فرض رئيس على البلاد بقوة الدبابات الإسرائيلية، التي إحتلت بيروت بطلب منه لتحقيق هذه الغاية، بعدما كان هدف الغزوة الصهيونية الأساس، الوصول إلى نهر الليطاني لإبعاد خطر الصواريخ عن المستعمرات الصهيونية. 

وعندما طالت يد مقاوم هذا الصنم "الإسرائيلي"، تسلم بعده من حاول فرض اتفاق خيانة وتطبيع مع العدو "الإسرائيلي"، فكان أن إنتفضت القوى الوطنية بمختلف فصائلها واجبرت مجلس النواب، الذي وافق باكثريته على إتفاقية 17 أيار، على إلغائها، بذات الأكثرية النيابية المنقادة لمصالحها الذاتية ولأوامر الخارج.

ولأن القوى المكلفة بقيادة ذلك النظام ترهلت وأصابها الوهن، جيء بمن يحل محلها. وعبرت مقالة نشرت في إحدى الصحف "الوطنية" عام 1982، خلال الإجتياح الصهيوني، عن فلسفة المرحلة حيث أشارت إلى أن حل أزمة السلاح والمسلحين في بلد مثل لبنان، تتم عن طريق المال.

كان ذلك سرّ سياسة الحريرية السياسية القادمة باسم الوساطة السعودية، لنقل لبنان من ضفة الأحزاب والسلاح إلى مشروع "السلام والإعمار"، الذي أخفى عملية نهب واسعة للبلد أوقعته تحت ديون تفوق المائة مليار دولار والحبل على الجرار.

وفيما تولت جرافات شركة "أوجيه لبنان" إزالة السواتر الترابية والعوائق تسهيلا لدخول الدبابات "الإسرائيلية" إلى بيروت، نفذت الحريرية السياسية عملية "نفض" لطبقة سياسية كاملة، قبل تسلمها مقاليد السلطة وخلالها، إشترت فيها بالرشوة كبار القوم ومن لم يقبل منهم الإنخراط  في هذا المشروع، أو لم تقبل به الحريرية شريكاً لها، جرى اقفال بيته السياسي وأحيل إلى البطالة القسرية عن المناصب السياسية. وهكذا سار مشروع الدولة المترنح، إلى أن أيقن أصحاب مشروع الهيمنة على المنطقة أن ما عجزوا عن تحقيقه بالمال يمكن تحقيقه بالدم، فاغتالت "إسرائيل" والسعودية الرئيس الحريري (وهناك تأكيدات أميركية على ذلك) بهدف إثارة فتنة تنقل لبنان من ضفة المقاومة إلى صف المطبعين والمتعاونين مع العدو "الإسرائيلي". وهذا ما حاولت السعودية تكراره عندما اعتقلت الرئيس سعد الحريري مؤخراً. ومما جعل تلك الجريمة أمراً ملحاً، أن المقاومة في لبنان إستطاعت طرد الإحتلال الصهيوني من معظم الأراضي اللبنانية عام 2000، فكان لا بد من الرد عليها.

مباشرة بعد جريمة إغتيال الحريري، حاولت قوى 14 آذار السيطرة الكاملة على مقاليد البلاد، لكنها إصطدمت بوجود المقاومة وقوتها الشعبية والميدانية. واعترف الأميركي أنه مول هذه الحملة الفاشلة، فكان عدوان 2006 محاولة لإزالة المقاومة وجمهورها من الوجود، لكن صمود المقاومين أفشل الهجمة وخاب ظن المتآمرين. وترجم هذا الصمود لاحقاً باشكال عدة، تراوحت بين نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة في لبنان؛ وبين إفشال الهجمة العالمية لإنتزاع سوريا من دورها وموقعها المقاوم.

ولأن الصراع ما زال قائماً بين إقامة دولة حقيقية في لبنان أو "جمهورية موز" تكون ذيلا للسياسات الأميركية بتمويل سعودي، نرى أن ظلال "صفقة القرن" تطل بقرونها على كل مظاهر الدولة. فسيناريوهات تقديم الموازنة العامة والتآمر على رواتب الموظفين والعسكريين والمتقاعدين؛ وعدم المس بمكامن الهدر وسرقة المال العام والتهرب الضريبي، دليل دامغ على عداء الحكومة للجيش والشعب. وما شهدته المحاكم سابقا ومؤخراً دليل على سقوط فكرة الدولة من رؤوس النافذين. وأي دولة هذه التي يكون حكامها هم أنفسهم الرأسماليون المستغلون وهم زعماء طوائفهم؛ وكذلك هم رؤوس ورموز الفساد الإقتصادي. وكأن المطلوب معاقبة لبنان واللبنانيين على مقاومتهم، فإما الإنصياع للأوامر الأميركية-"الإسرائيلية" وإما تخريب الدولة وتجويع الناس.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل