رداً على سخاء وليد جنبلاط .. مزارع شبعا وتلال كفر شوبا لبنانية وستحرر ـ أحمد شحادة

الإثنين 29 نيسان , 2019 01:28 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

قد يكون معذوراً النائب السابق وليد جنبلاط في هديته للدولة العبرية، لأنه مع اندلاع حرب حزيران عام 1967 لم يكن قد تجاوز من عمره الثمانية عشر عاماً، وهو لم يكن يهتم بأحوال العامة من الناس، ولا بأحوال البلد، وتاريخه وجغرافيته، فهو كان مأخوذاً بهوى الشباب ليس إلاَّ، رغم موسوعية وفكر والده الشهيد كمال جنبلاط.

وبعد اغتيال الشهيد كمال جنبلاط عام 1977، وجد وليد نفسه على رأس الإمارة، ووفرت له الامكانيات والمساعدات والوسائل ليكون الزعيم الشوفي الأوحد على شتى المستويات الوطنية اللبنانية، والفلسطينية والسورية، وبات له "انتيناته" ورغباته المستجابة.

وبعد تقلباته التي لا تستقر على حال، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ورغم إعلانه الواضح والصريح أنه الرأس الأكبر في 14 آذار، لكنه لم يتوان عن الانخراط في التحالف الرباعي، الذي وصل به الأمر في احتفال ذكرى التحرير أن يدعو حزب الله إلى تحرير القدس، لكنه بعد انتخابات عام 2005، وتوفير الحلف الرباعي الأكثرية لـ14 آذار  لم يتوان عن شن حرب اعلنها جهاراً أنه أول من تجرأ على النيل من قائد المقاومة السيد حسن نصر الله ... وربما الكل يذكر خطابه في وسط بيروت عام 2006 بالذكرى السنوية الأولى لقيام 14 آذار، وتطور علاقته بالأميركيين، وصديقه جيف "جيفري فليتمان" وتحريضه لبيروت وأهلها الذين طلب منهم أخذ "الثأر من لحود ومن بشار" .. لدرجة وصل به الأمر إلى التحريض الواسع على المقاومة وسيدها وسلاح الإشارة، مما فرض أحداث السابع من أيار عام 2008 .. ليحس بعدها بفداحة ارتكاباته، فاضطر إلى الاعتراف بخطئه، والتي وصفها بـ"ساعة تخلي".

ومع اندلاع الحرب الكونية على سورية عام 2011، اعتقد أن الدولة الوطنية السورية انتهت وفقا لمعلومات اميركية تلقاها ، فجلس على حافة النهر ينتظر، وما زال وسيستمر منتظراً .. لكنه مع صعود الترامبية وبهلوانياتها في الولايات المتحدة، انطلق من جديد في حملة الكراهية ضد سورية، ووصل به الأمر مؤخراً إلى العمل السياسي على طريقة "خبط عشواء" التي توجها بتقديمه "مزارع شبعا وتلال كفر شوبا" إلى العدو الإسرائيلي، على طريقته الخاصة، بتوجيه الرسائل.

وهنا لا بد من وضع النقاط على الحروف، وإن كان غير مستبعد بعد مدة الزمن وقد لا تكون طويلة حين يجد أن رسائله بغير ذي فائدة، ان يتراجع ويتلو فعل ندامة.

ربما غاب عن ذهن وليد جنبلاط وقائع كثيرة كيف احتلت الدولة العبرية المزارع والتلال، في حرب 1967، وكيف طوق جيش الإحتلال القوات السورية التي كانت مندفعة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة..

وبأي حال، فلدى وزارة الخارجية اللبنانية كل الوثائق والأدلة التي تؤكد على لبنانية المزارع والتلال، علماً أنه منذ اتفاقية سايكس بيكو، جعلت شبعا ومزارعها جزءاً من التقسيم السياسي والإداري للبنان الكبير الذي ولد عام 1920.

هذه المميزات لمزارع شبعا، كانت دائماً محل أطماع الصهيونية، وشكلت هدفاً قديماً دائماً للعدو، فمنطقة مزارع شبعا اللبنانية تابعة لقضاء حاصبيا الواقع في جبل الشيخ الذي يشكل حدوداً جغرافية طبيعية بين سوريا ولبنان، وتضم هذه المنطقة 14 مزرعة. وتعود الأهمية الإستراتيجية لمزارع شبعا اللبنانية إلى أربعة عوامل رئيسية:‏‏

اتساع مساحتها التي تمتد على 250 كم2، بطول 24 كلم وبعمق 15 كم، من الجسر الروماني على نهر الحاصباني (علو 450 متراً) حتى جبل الشيخ (علو 2600 متر).‏‏

هي تقع على مفترق الحدود بين ثلاث دول: لبنان وسوريا وفلسطين وتتربع على سفوح جبل الشيخ الغربية، وتشرف من الجهة الشمالية الغربية على وادي نهر الحاصباني ومرجعيون وحاصبيا. ومن الجهة الجنوبية الغربية على سهل الحولة. وهذا ما يجعلها بالغة الأهمية في الحسابات العسكرية "الإسرائيلية"، فقد بنى الاسرائيليون في مرتفعاتها، محطتهم الشهيرة المعروفة باسم "المرصد" الذي يعتبر من أكبر مراكز التجسس والانذار المبكر في المنطقة، وهو مجهّز بأحدث التقنيات المتطورة لكشف ورصد أي تحرّك عسكري أو غير عسكري ومراقبة محيط كبير من منطقة الشرق الأوسط تمتد من العراق حتى مصر، وبحكم هذه الصفة فهي حارسة البوابة الجنوبية ـ الشرقية للبنان.‏‏

ثروات المزاع الزراعية وبشكل خاص الثروة المائية فهي إلى جانب وجود نبعين كبيرين في شبعا يغذيان المنطقة وصولاً الى جديدة مرجعيون (نبع المغارة ونبع الجوز) فإن شبعا تقع على خط المياه الجوفية الرئيسية لجبل الشيخ حيث يوجد ثاني أكبر خزّان مائي في شرق المتوسط، بعد خزان صنين ـ الأرز، ومنه تتفجر ينابيع بانياس واللدان والوزاني التي تشكّل المصدر الرئيسي لمياه نهر الأردن.‏‏

تمتاز بمساحات خضراء شاسعة، فضلاً عن التلال والمرتفعات التي تتألف منها أو تحيط بها، ومناخها المعتدل صيفًا ما يجعلها مركزًا مميزًا للاصطياف والاستجمام في الشرق الأوسط، وتساقط الثلوج فوق العديد من المزارع يجعلها صالحة لإقامة المراكز لممارسة كل أشكال الرياضات الشتوية، وخصوصًا التزحلق على الجليد، وقد أنشأ الاحتلال الاسرائيلي العديد من الفنادق والمنتجعات السياحية في نواحٍ منها تتجاوز في ارتفاعاتها قرابة 2000 متر عن مستوى سطح البحر. كما أقامت إسرائيل مستعمرة ضخمة لاستقبال يهود الفلاشا الذين بدأ استقدامهم من أثيوبيا اعتباراً من شباط / فبراير العام 2000.‏‏

وعلى الرغم من الاتفاق الفرنسي ـ البريطاني على تحديد الحدود بين فلسطين ولبنان، أصرت الدعاية الصهيونية، على أن مياه الليطاني وحرمون هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لمستقبل الوطن القومي اليهودي في فلسطين. وإزاء ضغوط المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة بعث ويلسون برسالة الى الحكومة البريطانية جاء فيها: "..إن نجاح القضية الصهيونية يتوقف على توسيع الحدود في الشمال والشرق إلى أن تشمل نهر الليطاني ومنابع المياه في حرمون..".‏‏

بأي حال فقرية شبعا ومزارعها مسجّلة في الدوائر العقارية اللبنانية وأهلها يدفعون الضرائب للدولة اللبنانية. وهي وحدة عقارية، والصكوك والإفادات العقارية التي يحملها سكانها تصدر عن الدوائر الرسمية في مدينة صيدا. وتؤكد القوانين اللبنانية الصادرة في فترة الانتداب، ومنها القانون الصادر في 20 نيسان / ابريل 1928، صلاحية سلطة محكمة حاصبيا البدائية التي كانت تمتد على كامل قرى مديرية حاصبيا ومنها شبعا ومزارعها، وثمة دعاوى مدنية وجزائية وجنائية في شبعا ومزارعها بتت بها محاكم البداية والاستئناف والتمييز. كما ثمة مستندات جمركية ورخص بناء لأهالي من هذه المزارع صادرة عن قائمقام مرجعيون.‏‏

كانت الدولة اللبنانية تمارس سيادتها على مزارع شبعا منذ إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920، خلال عهد الانتداب الفرنسي وبعد استقلال لبنان عام 1943، وكان القضاء اللبناني يمارس صلاحياته كاملة على هذه المزارع. وتؤكد تقارير الدرك في جنوب لبنان، أن شبعا ومزارعها بقيت حتى تاريخ 14/9/1965 تحت السلطة اللبنانية المباشرة، إلى أن حالت الحوادث الأمنية والظروف الناتجة عن التهجير الإسرائيلي للفلسطينيين من الأرض المحتلة عام 1967 إلى نشوء واقع أمني حال دون تمكين السلطة من ممارسة أدائها الميداني، ولم يصدر أي قرار عن الحكومة يشير الى تخلي لبنان عن سيادته عليها.‏‏

يذكر، أنه في 31 آب / أغسطس عام 1920 أصدر الجنرال الفرنسي غورو قراراً تحت الرقم 318 عرّف حدود لبنان الشرقية بحدود الأقضية ومنها قضاء حاصبيا، وقد تم التأكيد على هذه الحدود من خلال المادة الأولى في الدستور اللبناني الذي صدر عام 1926، ومما جاء فيها أنها تتبع: ".. حدود أقضية بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا الشرقية".‏‏

وخلال فترة الانتداب الفرنسي أغْفل خط الحدود المرسوم في 1923 ذكر تبعية هذه المزارع، ووضعتها بعض الخرائط ضمن الأراضي السورية، وفي عام 1946 وجهت الحكومة اللبنانية مذكرة إلى دمشق في هذا الشأن. وجاء الرد السوري بموجب مذكرة رسمية تحت الرقم 574 بتاريخ 29/9/1946، ليؤكد أن ما حصل خطأ فني بحت، وأن مزارع شبعا هي أراضٍ تحت السيادة اللبنانية، واستتبع ذلك تأليف لجنة سورية- لبنانية عام 1949 برئاسة وزير الدفاع اللبناني آنذاك مجيد أرسلان، واتفقت اللجنة على اعتبار مزارع شبعا جزءًا من الأراضي اللبنانية. وقبل وخلال حرب العام 1967 وقعت معظم هذه المزارع تحت السيطرة الإسرائيلية، وتم قضم بقيتها من قبل الاحتلال على مراحل منذ عام 1970 وحتى 1992.‏‏

لقد أكدت الدولة اللبنانية عقب الاندحار الإسرائيلي في أيار من العام 2000، في رسالة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أن "الانسحاب الإسرائيلي جاء منقوصاً لأن مزارع شبعا ما زالت محتلة، وبالتالي يحتفظ لبنان بحقه في القيام بكل الإجراءات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية لاستكمال تحرير ما تبقى من أراضٍ محتلة، وجاء في الجواب اللبناني: "ان الحكومة اللبنانية ما كانت لتحجم عن اتخاذ اي تدبير من شأنه تكريس حق لبنان في مزارع شبعا، وتوثيق هذا التكريس على الصعيد الدولي، الا ان الاحتلال الاسرائيلي لهذه المزارع يحول دون تمكين الجانبين اللبناني والسوري من الدخول الى المزارع المذكورة لترسيم حدودها، على الطبيعة اولاً، ومن ثم تكريس هذا الترسيم بموجب خرائط يوافق عليها الطرفان".‏‏

وفي مذكرة بعث بها رئيس الجمهورية العماد اميل لحود إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 4/5/2000 جاء حرفياً: إن "تنفيذ القرارين 425 و426 يستوجب انسحاب "اسرائيل" الكامل من الأراضي اللبنانية الى ما وراء الحدود المعترف بها دولياً من دون قيد أو شرط. وهذه الحدود هي تلك التي تم ترسيمها عام 1923 مع فلسطين، والانسحاب الكامل يجب أن يشمل أيضاً مزارع شبعا. وأي تجاوز لهذه الحدود يعني أن "اسرائيل" لم تنسحب بموجب القرار 425، وأن تراجعها في تلك الحال يشكل إعادة انتشار وليس انسحاباً".‏‏

وفي مذكرة أخرى للرئيس لحود موجهة الى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 9/6/2000 جاء حرفياً: "أما بالنسبة الى مزارع شبعا فقد كان واضحاً في تقرير سعادة الأمين العام بتاريخ 22/5/2000 أنه اعتمد خطاً عملياً في تلك المنطقة في ضوء عدم توافر خرائط قديمة تؤكد الحدود هناك بين لبنان وسوريا. وعلى هذا الأساس اعتبر الخط العملي هو الخط الفاصل ما بين انتداب "اليونيفيل" وانتداب "الأوندوف"، مع اشارة الأمم المتحدة الى أن هذا الخط العملي لا يمكن اعتباره في أي حال يمس الحقوق الحدودية المتبادلة بين الأطراف المعنيين. ولقد وافق لبنان على هذا التقويم في انتظار ايجاد صيغة مشتركة لمنطقة المزارع موقعة بينه وبين سوريا لتقديمها الى الأمم المتحدة".‏‏

وعلى خطٍ موازٍ، أكدت الحكومة السورية موقفها كتابةً في رسالة الى الامم المتحدة بتاريخ 25 تشرين الاول 2000 أوردت فيه: "إن الذي يهدد الامن والسلم في المنطقة هو استمرار تجاهل "اسرائيل" قرارات الشرعية الدولية وبخاصة قراري مجلس الامن 242 و338 وعدم استكمال انسحابها من الجنوب اللبناني الى الحدود المعترف بها دوليا، بما في ذلك مزارع شبعا واستمرار احتلالها للاراضي العربية بالقوة منذ حزيران 1967...".‏‏

وما يحسم السجال على المستوى السوري حول لبنانية المزارع ما جاء على لسان الرئيس السوري بشار الأسد في مؤتمر صحافي عقده في ختام زيارته الى باريس في 27 حزيران / يونيو عام 2001، حيث أكد أن "من يحدد جنسية هذه المزارع في القانون الدولي هما الدولتان الموجودتان على جانبي الحدود أي لبنان وسوريا، أما الأمم المتحدة فيمكن أن نسميها مستودعاً للاتفاق النهائي بين هاتين الدولتين" ويضيف الأسد: ".. نحن أعلنا بشكل رسمي أن مزارع شبعا لبنانية، وهذه المناطق هي محتلة الآن.. وفي المستقبل بعد أن يتم تحديد الحدود تقوم الدولتان بتسجيل هذا التحديد في الأمم المتحدة".‏‏

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل