نظرات في الإعجاز القرآني .. كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ

الأربعاء 13 آذار , 2019 10:48 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وأعطاه من النعم الكثير والكثير، فمنهم من شكر ومنهم من كفر بأنعم الله، فعاث فساداً في الأرض، واستكبر حتى وصل به المآل إلى القتل والذبح والتهجير بعين حقودة مليئة بالكره والحقد؛ ليشوه الصورة التي خلق بها والرحمة التي جعلته إنساناً ينشر السلام والأمان والطمأنينة في هذا العالم، وهذا ما بيّنه سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري رضوان الله عليه في تفسير قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ} سورة العلق-الآية 6.

بعد أن أطلعنا اللَّه سبحانه وتعالى على ما يلزم هذا الإنسان في هذه الدنيا ألا وهو العلم، ومن خلال هذا العلم يتعرف على اللَّه، ويتعرف على نفسه، ويتعرف على هذا الوجود الذي يعيش به، نلاحظ أن نفس الكلمة التي استعملت في قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} سورة العلق-الآية 2، أي أن الإنسان الذي خلقه اللَّه سبحانه وتعالى بدل أن يكن من أهل الإيمان والاعتراف بكرم اللَّه كان موصوفاً بقوله تعالى: {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ } سورة العلق-الآية 7، فلم يستعمل اللَّه سبحانه وتعالى كلمة أخرى – بني آدم أو البشر – وذلك للتنبيه أن الذي أعطى هذا الإنسان من خلق ونعم كثيرة والتي تعتبر من النعم العظيمة ألا وهي نعمة العلم، بدل أن يشكر ذهب إلى الطغيان في هذه الأرض؛ لأنه لم يلتزم بأحكام اللَّه ولم يلتزم بتعاليم اللَّه.

(كِلَا): هي كلمة زجر، لماذا أيها الإنسان تفعل هكذا بعد كل هذه النعم التي أنعم اللَّه سبحانه وتعالى بها عليك وكلمة (كِلَا) جاءت في صدر الآية من أجل ماذا؟ جاءت هذه الكلمة لتزجر هذا الإنسان، لتزجره عما يرتكبه من أعمال، ويتعدى على الآخرين، ليس لك هذا بعد أن أنعم اللَّه عليك، لا ينبغي أن تكون أخلاقك هكذا!. الإنسان نفسه الذي خلقه اللَّه، والذي علمه اللَّه، يتجاوز حده في الطغيان من التعدي، لكن لم يذكر هنا نوع الطغيان، هل سيطغى على نفسه؟، هل سيطغى في هذا الكون؟، هل سيطغى على الآخرين؟، فعندما لم تذكر هذه الصفة فالطغيان سيكون عاماً، سيكون تارة على نفسه، وتارة في الكون، وتارة على الآخرين.

كلا: أي لا ينبغي للإنسان الذي خلقه اللَّه وأكرمه اللَّه أن يكون من الطغاة، كلمة زجر وردع عسى أن يرتدع هذا الإنسان عن طغيانه. {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ } سورة العلق-الآية 7، هنا كذلك نجد أن اللَّه سبحانه وتعالى لم يذكر لنا إلى ماذا يعود الضمير { أَنْ رَآهُ }، ماذا رأى؟، أي كل ما يجده الإنسان في هذا الكون من دنيا ومن مال ومن ملذات ومما يريد أن يصل إليه، فإذا رأى ما يريد مما يتعلق بهذه الدنيا تجده استغنى، أي طلب الغنى، فالألف والسين للطلب، استغنى عن اللَّه، استغنى عن خالقه، استغنى عن العبودية التي ينبغي أن يكون ممتثلاً لها. هم لا يرون أبداً أن اللَّه تعالى هو الذي خلقهم، بل يرون أنفسهم وكأنهم أنصاف الآلهة، وكأن الخلق كله هم عبيد لهم، فممكن أن يقتل، يخترع الأداة التي يقتل فيها ويمعن في القتل ويؤذي الإنسان، وهذا وضع الإنسان بكل أسف وضعِ الإنسان إن لم يلتبس بلبوس الإيمان، إن لم يلتبس بلبوس الخوف من اللَّه ممكن أن يكون الإنسان طاغياً صغيراً وممكن أن يكون طاغياً كبيراً، ولكن أخي القارئ احذر أن تكون من الطغاة، احذر أن تكون من الذين يؤذون الآخرين، ومن الذين يتعدون على حدود الآخرين، لذلك لابد لنا أن نكون دوماً في حالة الخضوعِ والخشوعِ والاعتراف بالجميل للذي خلقنا وعلمنا.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل