"السلام" وَهْم... وتنازلات لبنان الرسمي بلا ثمن ــ د. نسيب حطيط

الجمعة 05 كانون الأول , 2025 09:55 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيفرض "السلام بالقوة"، وفي المقابل قال المبعوث الأمريكي إلى لبنان توماس برّاك: "السلام وهمٌ، لم يكن موجوداً في الماضي ولن يكون على الأرجح في المستقبل، والمشكلة ليست حدودية أو جغرافية، بل هي مشكلة فرض الشرعية، والهدف النهائي هو رغبة طرف بالسيطرة، مما يعني وجوب خضوع الطرف الآخر"، أما رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو فقد أعلن البدء بمشروع "إسرائيل الكبرى" الذي يشمل كل لبنان ولا يقتصر على جنوبي الليطاني.
وسط هذه الثوابت الأمريكية - "الإسرائيلية" الواضحة التي تنفي وجود سلام، وتدعو لإرغام الآخرين على الاستسلام، تهرول الحكومة اللبنانية وبعض اللبنانيين لشراء بطاقة العمالة والاستسلام "لإسرائيل"، ويدفعون ثمنها "رأس المقاومة"، وسلاحها، وحصار طائفتها، ويسارعون للتفاوض، مخالفين كل قواعد التفاوض، تحت الضغط الأمريكي والعربي، لتلبية المطالب "الإسرائيلية" تحت النار، وقادتهم أمريكا إلى المفاوضات المباشرة، وإن حاول البعض تلطيف الأمر أو نفيه، فلن يُسمح لهم إلا بالتوقيع على وثيقة الاستسلام بالشروط الأمريكية - "الإسرائيلية"، لشرعنة الاحتلال والسيطرة، بعدما خسروا كل أوراق القوة التي يملكونها، وذلك على النحو التالي:
-  التخلي عن ورقة المقاومة القوية وسلاحها، وعدم توظيفها في المفاوضات لتحسين الشروط، أو على الأقل مقايضة سلاح جنوبي الليطاني بالانسحاب ووقف العدوان "الإسرائيلي"، بل بادروا إلى إصدار قرار نزع السلاح ضمن مهلة لا تتجاوز أشهر، بناءً على طلب أمريكا، وهو سلاح جُمِّع وجهِّز وصُنع وحُفرت أنفاقه ومنشآته على مدى 40 عاماً، وكان ثمنه غالياً في حرب الـ66 يوماً، متمثلاً في قيادة المقاومة ورمزها و25 ألف شهيد.
- استجداء رئيسَي الجمهورية والحكومة، "للسلام" والتفاوض مع "إسرائيل" بالشروط الأمريكية - "الإسرائيلية"، ومع ذلك، أهمل "الإسرائيليون" طلبهما دون ردّ!
- موافقة لبنان على إعادة تشكيل لجنة "الميكانيزم" وتحويلها من لجنة فنية عسكرية لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، إلى لجنة سياسية عسكرية لبحث اتفاق جديد يلغي كل الاتفاقات السابقة (تفاهم نيسان 1996، واتفاق تشرين 2024، والقرارات الدولية 1701 و425) وإقرار "السلام" الدائم وفقاً لبيان السفارة الأمريكية "دعماً للسلام الدائم والازدهار المشترك لكلا الجانبين، انضم السفير اللبناني السابق سيمون كرم والمدير الأعلى للسياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يوري رسنيك إلى المستشارة مورغان أورتاغوس، وهي خطوة مهمة نحو ضمان أن يكون عمل الميكانيزم مرتكزاً على حوار مدني مستدام"!
- تخريب الوحدة الوطنية وتجميع السلطة وأغلبية الشعب اللبناني ضد طائفة المقاومة، مما يهدد السلم الأهلي.
-  تحويل الجيش اللبناني، رغمًا عن ضباطه وجنوده وقيادته، إلى شرطة عسكرية تنفذ المطالب الأمريكية والإسرائيلية عبر ما يسمى "لجنة الميكانيزم" التي تنوب عن "إسرائيل" في إصدار الأوامر ضد المقاومة.
-  تدمير منشآت المقاومة العسكرية، وإذلال واستفزاز المقاومة وأهلها، عبر جولات الإعلاميين على الأنفاق، مقابل الصمت عن الأراضي المحتلة "إسرائيليًا". ويتم الإعلان عن استلام الجيش ل177 نفقًا ومئات الراجمات دون السماح له بالاحتفاظ بها، وهو الجيش الفقير عسكريًا، ودون أي مقابل "إسرائيلي"، بل ويُتهم بالتواطؤ مع المقاومة والتقصير في مهامه الموكلة إليه!
إن المفاوضات بين لبنان و"إسرائيل" ليست مفاوضات أمنية، بل هي دعوة لتوقيع لبنان على وثيقة استسلام تمنح "إسرائيل" جميع مطالبها دون مقابل، وهي التي تصفع السلطة واللبنانيين الذين يُعتبرون "أعضاء جبهة إسناد لإسرائيل"، وتهينهم دون أن تقدم لهم شيئًا مقابل خدماتهم، وقد كشفت هذه المفاوضات ضعف السلطة أمام المقاومة وأهلها، وأسقطت "إسرائيل" بقصفها وعدوانها المستمر رغم كل التنازلات، حججهم ووعودهم بأن نزع السلاح سيؤمن الأمن، إذ تبين أن نزع السلاح سينزع الكرامة والحقوق والسيادة، ويحوّل جميع اللبنانيين إلى "جيش لحد جديد" وحينها سيطالب المسؤولون اللبنانيون بالحماية من إسرائيل، على غرار ما طالب به رئيس السلطة الفلسطينية المتعاون أمنيًا مع "إسرائيل"، محمود عباس، بالحماية... كالحيوانات!
"إسرائيل" لا تحترم إلا القوة، ولا تجبرها على التنازل إلا القوة، ولا يحمي لبنان من مطامعها وعدوانها إلا القوة، فقد تنازل لبنان عن كل ما يملك وأعطاه "لإسرائيل" إلا ما تبقى من سلاح وإرادة وصبر للمقاومة وأهلها... فلنحفظ ما تبقى لنا من قوة، ليس من أجل الشيعة فقط، ولا من أجل جنوب لبنان، بل من أجل اللبنانيين جميعًا، وفلسطين، والمشروع المقاوم... فالطائفة المقاومة هي آخر قلاع الرفض والمقاومة للمشروع الأمريكي - "الإسرائيلي" بعد استسلام الأمة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل