﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ … قانون السقوط الخفي

الأربعاء 03 كانون الأول , 2025 11:35 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

 الثبات-إسلاميات

  قال الله تعالى:﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ ليست هذه الآية مجرد وعيدٍ عابر، بل قاعدة ربانية تكشف جذور الانحراف الإنساني، وتضع يد القلب على سبب كل ضياعٍ وإخفاق.

 فالنسيان هنا ليس ذهاب العلم، فإن الله سبحانه لا ينسى، وإنما هو تركٌ وإهمالٌ وحرمانٌ من التوفيق والمعونة، كما قال أهل التفسير. 

ومن أُوكل إلى نفسه لحظةً، ضاع طريقه وطال عثاره.  

إن أول خطوات السقوط أن يغيب الله عن القلب، فإذا غاب عن الذكر غاب عن التوجيه، وإذا غاب عن التوجيه غابت البركة عن العمل، فكثر السعي وقلّ الأثر.  

قال تعالى موضحًا هذا المعنى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾، فمن نسي ربه أنساه الله حقيقته، فلا يعرف لماذا خُلق، ولا إلى أين يسير، ولا فيمَ يُنجز ويخفق.  

وما مظاهر هذا النسيان إلا قلوبٌ قاسية، وهمومٌ متتابعة، وقلقٌ لا يزول بكثرة المال ولا بتكاثر الأسباب.

 قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾؛ ضنكٌ في الصدر قبل أن يكون ضيقًا في الرزق، وضيقٌ في الروح قبل أن يظهر في الواقع.

 وقد حذّر النبي ﷺ من الغفلة، وربط الحياة الحقيقية بالذكر، فقال: ((مثلُ الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه مثلُ الحيِّ والميت))، فالذكر حياةٌ للقلب، فإذا مات القلب تعطّلت الجوارح عن السير إلى الله، وإن تحرّكت في ظاهر الدنيا.

 وقال ﷺ أيضًا: ((سبق المفردون))، قالوا: ومن المفردون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات)).

 ولا يظنّ ظانّ أن الذكر مقصورٌ على التسبيح والتهليل فحسب، بل هو حضور الله في كل شأن، واستحضاره عند القرار، وعند الفتنة، وعند الشدة والرخاء.

 قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ طمأنينة لا تُشترى، ولا تُستعار، ولا تُنال إلا بهذا الباب.

 وإن أعظم الخسارة أن يُحرم العبد معية الله الخاصة، تلك التي بها تتيسّر الأمور، وتُفتح المغاليق، ويُرزق العبد السداد. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾  ومن حُرم هذه المعية عاش العمر كله يجتهد ولا يُوفَّق، ويعمل ولا يُبارك له.

 لكن رحمة الله سبقت غضبه، وباب الذكر مفتوح لكل من عاد، وباب القرب مشرع لكل من أقبل.

 قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾، وقال سبحانه في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني)) فذكرٌ يقابله ذكر، وقربٌ يقابله قرب، ورحمةٌ تتنزل على القلوب الغافلة إذا صدقت في الرجوع.

 فليكن ميزان المراجعة عند كل إخفاق: هل نُسِيت الأذكار؟ هل غاب الحضور مع الله؟ هل انقطعت الصلة؟ فإن عادت الصلة، عاد التوفيق، وإن حضر الذكر، حضرت الحياة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل