أقلام الثبات
قبل عام، أُعلن وقف إطلاق النار على جبهة لبنان بعد حرب خاضتها المقاومة اللبنانية، لدعم المقاومة الفلسطينية في غزة. استمرت هذه الحرب، التي شملت عمليات برية وجوية، طوال 66 يومًا، وتعرضت خلالها المقاومة اللبنانية لأقسى ضربة في تاريخها منذ تأسيسها، بعد أن نجحت "إسرائيل" في اغتيال قائد المقاومة السيد حسن نصر الله (رحمه الله)، واستشهاد معظم قياداتها العسكرية المركزية والميدانية، والتي بلغت نحو أربعين قائدًا من الجيل الأول للمقاومة، والذين شكلوا الهيكل التنظيمي للجناح العسكري، مما أوقع المقاومة في فترة ارتباك تحت القصف "الإسرائيلي" العنيف، الذي لم يشهده لبنان منذ بدء الصراع مع "إسرائيل"، وتزامن ذلك مع تهجير الطائفة الشيعية بالكامل من الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، ومطاردة النازحين المدنيين الشيعة في المناطق التي لجؤوا إليها.
خاضت "إسرائيل" معركة الحسم والثأر لإسكات جبهة لبنان نهائيًا، وهي الجبهة التي استنزفتها وهدّدتها منذ احتلال فلسطين قبل 70 عامًا، وتعاقبت على هذه الجبهة حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، العلمانية واليسارية والدينية، حيث كانت كل مقاومة تسلّم الراية لمن تلاها، حتى استقرت هذه الجبهة بقيادة المقاومة اللبنانية المكوّنة من التنظيمات اليسارية والدينية وانتهت بقيادة المقاومة اللبنانية من الطائفة الشيعية.
تزامنت الذكرى السنوية الأولى للحرب "الإسرائيلية" على لبنان مع توقيع وقف إطلاق النار على جبهة غزة، والقاسم المشترك بين اتفاقيتي وقف إطلاق النار في غزة ولبنان هو التزام كل من المقاومة الفلسطينية واللبنانية بالاتفاق، في حين لم تلتزم "إسرائيل"، بل تواصل حربها بالغدر والاغتيال وفرض الشروط، ولم تستجب لنداءات الاستسلام الرسمية من الحكومة اللبنانية.
يحاول التحالف الأمريكي - "الإسرائيلي"، بمساعدة أدواتهم من العرب، فرض الاستسلام على لبنان ونزع سلاح المقاومة، باعتبار أن المعركة الفاصلة التي توجه مسار الأحداث في الشرق الأوسط، ومفتاح تأسيس "إسرائيل الكبرى" و"الشرق الأوسط الأمريكي الجديد" هي "معركة لبنان"، فإذا سقطت المقاومة في لبنان، سيسقط المشروع المقاوم العربي - الإسلامي، وإذا استطاعت المقاومة اللبنانية الصمود - وليس خوض الحرب - ولم تُهزم، فستكون قد حقّقت نصرًا استراتيجيًا، وحافظت على شعلة المشروع المقاوم، لإعادة تجميع شتات قوى المقاومة العربية والإسلامية، والبدء بمرحلة مقاومة تماثل انطلاقة المقاومة الفلسطينية المسلّحة في سبعينيات القرن الماضي، ويمثل هذا الصمود نصرًا استراتيجيًا للقضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية التي تضاءل وجودها الجغرافي في الساحة العربية والإسلامية، إذ طُرد قادتها ومجموعاتها المسلحة من سوريا، وتعرضت للقصف في قطر، ولم تعد تركيا مستعدة لاستقبالها إلا بتعهدات بعدم العمل ضد "إسرائيل".
إن لم تكسب "إسرائيل" والولايات المتحدة الساحة اللبنانية، فستكون كل مكاسبهما وإنجازاتهما في فلسطين وسوريا والمنطقة مجرد سراب وأرباحًا مؤقتة معرضة للزوال، خصوصاً أن الوقت ليس في صالح المشروع الأمريكي - "الإسرائيلي" بعد سنتين من تحقيق الأرباح والانتصارات.
لقد نجحت المقاومة اللبنانية، بصبرها وصبر أهلها، وصمتها الذكي والشجاع، في كسب عام كامل والمناورة في ملف السلاح مع رفض قاطع لتسليمه، وتحاول الآن كسب سنة أخرى أو أقل.
معركة بقاء المقاومة وحفظها في لبنان ليست مسؤولية لبنانية فحسب، بل هي مسؤولية المقاومة اللبنانية والفلسطينية بشكل خاص، وكل القوى العربية والإسلامية التي ما زالت خارج المظلة "الإسرائيلية" - الأمريكية، ويمكن استقطاب بعض الأفراد المنتمين إلى جماعات تكفيرية، فهم ضحايا للفكر التكفيري والتوجيه السياسي، ويمكن إعادة توجيه عقيدتهم، خصوصاً في سوريا، حيث يمكن استثمار جبهتها غير المنضبطة ومخزونها الفلسطيني والسوري الوطني لمشاغلة العدو "الإسرائيلي"، مما يوسع النطاق الجغرافي للمواجهة بدلًا من حصرها في جبهة لبنان.
لم تنتهِ الحرب حتى نُقر بانتصار "إسرائيلي" أو بهزيمة المقاومة اللبنانية - الفلسطينية وستستمر الحرب، وستخسر "إسرائيل" ما كسبته إذا تمكنت قوى المقاومة الإسلامية والعلمانية واللبنانية والفلسطينية والعربية والإسلامية من تجميع قواها وتوسيع النطاق الجغرافي للمواجهة، وعدم اقتصارها على المقاومة المسلحة، وذلك عبر منع السياحة والمشاريع الاقتصادية أو التطبيع الثقافي وكل ما يمد الاحتلال "الإسرائيلي" بالأوكسجين اللازم لبقائه.
أيها الفلسطينيون والعرب والمسلمون، ادعموا المقاومة اللبنانية التي لم تقصّر مع أحد... فقاتلت في فلسطين وسوريا والعراق واليمن وإيران والبوسنة، وهي الآن وحيدة في الميدان... ادعموها ليس من أجلها، بل لتبقى قضية فلسطين حية، ولا تُدفن في صحراء التطبيع العربي والإسلامي.
الذكرى السنوية للحرب التي لم تنتهِ... ولن تنتهي ــ د. نسيب حطيط
الجمعة 28 تشرين الثاني , 2025 09:25 توقيت بيروت
أقلام الثبات
إلى المدعو سمير جعجع: لا تُحاضر بالعِفّة… لأن تاريخك أسود
إذا انتهت المقاومة... فلماذا كل هذا القصف والتهديد والمبعوثين؟ ــ د. نسيب حطيط
أحمد الشرع باع سوريا بزجاجة عطر! _ أمين أبوراشد