لبنان… هذا الوطن الصغير بحجمه، الكبير بروحه

السبت 22 تشرين الثاني , 2025 11:33 توقيت بيروت ثقافة

 الثبات- ثقافة

اليوم عيدُ الاستقلال للبلد الذي هو جزء من روحنا، لبنان هذا البلد الذي لا يغيب عن  الذاكرة والوجدان؛ هذا الوطن الذي وُلد من قلب التاريخ، واشتدّ عوده رغم العواصف، وحملَ في جباله ووديانه وجهاً يشبه المعجزة: قطعةُ سماقةٍ خضراء تنبتُ على بحرٍ أزرق، وبشرٌ قلوبهم عامرةٌ بالحبّ مهما أثقلتها الأيام.

 لبنان ليس حدوداً على الخريطة؛ لبنان فكرة، ورائحة، وصوت مؤذنٍ يلتقي بجرس كنيسة، وصباحٌ يشرق على الأرز كأنما يبارك الأرض التي قال عنها النبي ﷺ: ((اللهم بارك لنا في شامنا)).

هو بلدٌ إذا نظرتَ إليه رأيتَ الجمال بأشكاله كلها:في طيبةِ الناس، في مساجده ومعابده وعمرانه في مقاهي القرى، في وجوه الأطفال التي تشبه الشمس، وفي ذاكرةٍ لا تعرف إلا النهوض بعد كل سقوط.

 ولكن، ما قيمةُ هذا الجمال إن لم يحفظه أهله؟

الوطن لا تحميه فقط الجيوش، بل تحميه ضمائرُ أبنائه؛ تحميه وحدةُ القلوب قبل السلاح، وتحميه كلمةُ الحق قبل المنابر.

إن الله تعالى يقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ وكأنّ الآية نزلت تُذكّر كل شعبٍ أن طريق القوة يبدأ من اجتماع الكلمة، وأنّ أوّل ثغرة يدخل منها العدوّ هي الفرقة.

 ولأن الدفاع عن الوطن واجبٌ لا يكتمل بالشعور وحده، فإنّ المواطن الحقيقيّ هو الذي يُعدّ العدّة لحماية أرضه من كل معتدٍ، بكل الوسائل المشروعة التي تحفظ كيانه وهويته، وفي مقدّمتها السلاح حين يفرض الواجب ذلك.

فقد قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾

 لتكون الآية دستوراً لكل شعبٍ يُريد أن يصون استقلاله؛ فالدفاع قوةٌ لا اعتداء، واستعدادٌ لا فوضى، وردعٌ يمنع العدوّ من أن يطأ أرضاً رويت بدموع الأمهات وعرق الأجداد ودماء الشهداء ومداد العلماء.

والمواطن الذي يحمل في قلبه حبّ لبنان، ينبغي أن يكون مستعداً لحمايته بعلمه، وبوعيه، وبمواقفه، وبسلاحه عند الحاجة… حمايةً للأرض والعرض، وتثبيتاً لحقّ لا تقوى عليه الفتن.

 يحافظ الشعب على وطنه حين يكون كل فردٍ حارساً على بابه:

يحرسه العامل بصدق عمله ويحرسه المعلم بأمانة علمه ويحرسه الأب والأم بتربية أبنائهم على الأخلاق والوعي، ويحرسه المثقف بكلمته ويحرسه المخلص بوقوفه على الحق وعدم الانجرار إلى فساد أو كراهية.

 ومتى اتحد أبناء لبنان على حبّ وطنهم، أغلقوا في وجه كل خطرٍ باباً؛ فالعدوّ قد يأتي من الخارج، نعم، لكنه كثيراً ما يبدأ من داخلنا: من اختلافٍ لا يُراد له أن يجتمع، ومن كراهيةٍ تُصبّ في القلوب، ومن شائعاتٍ تُربك، ومن فسادٍ ينهش.

 وإذا أراد شعبٌ أن يحمي بلده، فليبدأ بنفسه وقد قال النبي ﷺ: ((ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)) وما الوطن إلا رعيةٌ كبرى، كلّ فردٍ فيها مسؤول بمقدار ما يحمل من أمانة.

 في عيد الاستقلال… فلنجعل من هذا اليوم وقفةَ حبٍ ومراجعة:

نزرع فيه أملاً بأن لبنان يمكن أن يستقيم إذا استقام أهله، ويمكن أن ينهض إذا نهضت قلوبُ شبابه، ويمكن أن يزدهر إذا اجتمعوا على كلمة واحدة: وأنّ الوطن أغلى من الأهواء، وأكبر من الطوائف، وأسمى من كل خلاف.

 لبنان… وطنٌ يستحق أن نقف له احتراماً، وأن نصونه من أي خطر، وأن نقول له في عيد استقلاله: سنحميك… لأنك أنت البيت، وكلّ بيتٍ لا يقوى إلا بأهله.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل