أقلام الثبات
تتصرف أمريكا بانفعال وقلق متزايدين، حيث تكثف زياراتها وإنذاراتها وتهديداتها بالتزامن مع القصف "الإسرائيلي" والحصار المفروض على لبنان، واستغلال اللبنانيين الموالين "لإسرائيل"، وإعلانها وجوب تصفية المقاومة، باعتبارها "كياناً إيرانياً خبيثاً"، لسلبها الهوية الوطنية ومشروعية سلاحها.
تهدّد أمريكا بإطلاق العنان للوحش "الإسرائيلي" ضد لبنان وترك الملف اللبناني لمصيره المظلم، وهي المصابة ،بفوبيا الفشل المتكرّر في لبنان على مدى الأربعين عامًا الماضية وقد صرّح أعضاء وفد مكافحة الإرهاب الأمريكي، تحت مسمى مضلّل هو "وفد الخزانة الأمريكية" بشعورهم بالقهر والفشل، بعدما نجحوا في فرض مشاريعهم في العالم العربي، وأجبروا الرؤساء والأمراء والملوك على توقيع اتفاقيات "سلام" وتقديم تنازلات، ودفع "الخوّات "، كما تمكنوا من تحويل مسار سوريا، التي قاومت أمريكا ولم يزر أي رئيس سوري للبيت الأبيض طوال 70 عامًا، فجرّوها خلال عام واحد إلى اتفاقيات أمنية مع "إسرائيل" سيُتَوَّج بها بتوقيع اتفاقية سلام، أما في لبنان فلا تزال فئة قليلة تُدعى "الطائفة المقاومة" تقف وحيدة ويتيمة في مواجهة التحالف الأمريكي الدولي، بعد أن صمتت جميع الجبهات الأخرى تجاه "إسرائيل".
تعيش أمريكا شعوراً بالفشل الممزوج بالانفعال والخوف من نفاد الوقت، وينعكس ذلك في تغيير المبعوثين من مبعوث واحد إلى مبعوثين ثم إلى ثلاثة، وتغيير رؤساء لجان "الميكانيزم" حتى بلغ عدد أعضاء وفد الخزانة الأمريكية اثني عشر شخصًا، مع وجود ضباط أمريكيين، بالإضافة إلى السفارة الأمريكية الكبرى في الشرق الأوسط، تعاونهم الأدوات اللبنانية والسفراء العرب، ويحتشد كل هؤلاء ضد فئة قليلة شريفة وشجاعة لم يتمكنوا من إجبارها على نزع سلاحها والاستسلام بقبول اتفاقية تطبيع وسلام.
إن ما صرّح به وفد الخزانة الأمريكية لمكافحة الإرهاب باعتبار المقاومة "وجودًا إيرانيًا خبيثًا" يجب استئصاله، بالإضافة إلى نزع سلاحها بأيدي الدولة اللبنانية وإغلاق "القرض الحسن" وزيادة الحصار وتوقيع اتفاقية سلام، بعد أن نجحت أمريكا في زيادة عدد الدول المطبعة والمستسلمة إلى ثماني دول وعلى لبنان أن يكون تاسعهم والمسارعة لركوب القطار وإلا فإنها ستطلق الوحش "الإسرائيلي" ليزيد القتل والتدمير في لبنان، مما يمثل اعترافاً صريحاً بأن الحرب على لبنان هي حرب أمريكية تنفذها "إسرائيل" وأن وأمريكا ليست وسيطاً نزيهاً، بل خصم وعدو يرتدي قفازات ناعمة وخادعة، ويجب التعامل معها في لبنان على هذا الأساس.
يرتكز التسويق الأمريكي على التضليل والجهل والخداع، فالمقاومة في لبنان ليست صنيعة إيران، وليست وجوداً إيرانياً خبيثاً، فقد بدأت المقاومة في الجنوب عندما كانت إيران حليفاً لأمريكا بزعامة "الشاه" منذ أكثر من 70 عاماً بمسمياتها اليسارية والقومية، أما المقاومة بعنوانها الديني فقد انطلقت قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حين أطلق الإمام الصدر أفواج المقاومة اللبنانية (حركة أمل) والجيل الثالث من المقاومة، المعروف "بالمقاومة الإسلامية" والذي تسعى أمريكا لتصفيته، وُلد مع انتصار الثورة الإسلامية، لكن عناصره وقياداته هم لبنانيون متجذّرون بأرضهم ويكفي مراجعة أسماء الشهداء ،ليتضح أنهم أبناء القرى التي اجتاحتها "إسرائيل" ويدافعون عن أرضهم، ولا يوجد بينهم أي شهيد إيراني في الجنوب.
تهدّد أمريكا بإطلاق الوحش الإسرائيلي للقتل والتدمير...ونسأل متى توقّف هذا الوحش عن القتل والاغتيال والقصف ، بينما تبقى المقاومة صامتة لكشف عورة وكذب أمريكا وبعض اللبنانيين، ولتسخيف شعار الحكومة اللبنانية باستردادها قرار الحرب والسلم، إلا إذا اعتبرنا أن ما تقوم به إسرائيل من حرب على المقاومة وأهلها هو قرار لبناني يُنفذ بالطائرات "الإسرائيلية"، عندها يكون استرداد قرار الحرب صحيحاً، ويبدو أن هذا هو الحال، فالحكومة اللبنانية تمهد الطريق لأمريكا و"إسرائيل" عبر إظهار المقاومة متمرّدة لعدم تسليم سلاحها.
رغم الحصار وكل الخسائر التي لحقت بالمقاومة وطائفتها، ورغم قلة الناصر وتكاثر الأعداء والخصوم. ومع أن دائرة المناورة تضيق والأمور تزداد سوءاً، لن تنجح أمريكا بفرض شروطها على لبنان، أو الأدق، على الطائفة المقاومة فيه وكما خرجت قبل 40 عاماً تحت النار، سَتخرج ثانية، كما خرجت "إسرائيل" تحت النار.
تستطيع أمريكا أن تنجح بفرض شروطها في أي دولة عربية في أيام، أما في لبنان فلن تستطيع، حتى لو استطاعت "إسرائيل" تدمير السلاح واغتيال القادة، فإنها لن تستطيع قتل كل الطائفة، وسيبقى أفراد شجعان قادرون على إحيائها ولو بعد خمسين عامًا.
لن نستسلم… لا بفعل الحرب ولا بمنظومة "السلام بالقوة"؛ الاسم المخادع للحرب.
الفجور الأمريكي: المقاومة وجود إيراني! ــ د. نسيب حطيط
الثلاثاء 11 تشرين الثاني , 2025 12:53 توقيت بيروت
أقلام الثبات
أحمد قصير… فتى الجنوب الذي دوّى اسمه في سماء البطولة
في يوم الشهيد: عهدٌ لا يُنكسر وصمودٌ على طريق الوفاء
هل ترشيحُ "الفاسد" وانتخابه عمالة وإعانة للعدو؟ ــ د. نسيب حطيط