أقلام الثبات
أسست أمريكا ما يُعرف بـ"المارينز التكفيري" في ثمانينيات القرن الماضي لمواجهة الاتحاد السوفيتي بعد احتلاله أفغانستان، وذلك بالتعاون مع مصر والسعودية، حيث تم إطلاق سراح تكفيريين من السجون المصرية وإرسالهم إلى أفغانستان بتمويل سعودي، وشكّلوا ما عُرف بـ"الأفغان العرب" بقيادة السعودي "بن لادن"، الذي أسس تنظيم "القاعدة"، وروجت له قناة الجزيرة.
نجحت أمريكا في تجربتها الأفغانية، وبعد انسحاب السوفيات من أفغانستان، نفذت عملية عسكرية للتخلص من "الأفغان العرب"، ومنعت الناجين منهم من العودة إلى بلادهم.، ثم استثمرتهم مرة ثانية عبر اتهام "القاعدة"، بتفجير برجي نيويورك في 11 سبتمبر، وهي عملية فاقت طاقة القاعدة وقدراتها اللوجستية، إلا أن أمريكا استثمرت الحادثة إلى أقصى حد وإعلان الحرب الصليبية الجديدة بقيادة "المحافظين الجدد" لغزو منطقة الشرق الأوسط، بحجة القضاء على الجماعات التكفيرية، وهي نفسها التي صنعت الجيل الجديد المسلّح منها، بينما كانت بريطانيا قد صنعت "أمّهات" هذه الجماعات التكفيرية في القرن الماضي.
تستولد أمريكا الجماعات التكفيرية من رحم بعضها البعض، فالقاعدة نشأت من رحم "الأفغان العرب"، و"داعش" من رحم القاعدة، و"جبهة النصرة" من رحم داعش، و"جبهة تحرير الشام" من رحم النصرة، بالإضافة إلى بعض الأبناء بالتبني المنبثقين من جماعة التوحيد والجهاد، أو القاعدة في العراق، أو ما يُسمى مجلس شورى المجاهدين، وبقية المسميات التي تستلزمها عملية الانشقاقات والظروف الميدانية والسياسية، وفقاً للخطط الأمريكية. وتعتمد الاستراتيجية الأمريكية في استثمار وتشغيل الجماعات التكفيرية على ما يلي:
- إطلاق اسم على كل جماعة يتوافق مع الجغرافيا السياسية وأهداف وشعارات تلقى استجابة من البيئة المحيطة لاعتبارات مذهبية، تتصدرها الصراعات المتعددة العناوين، الصراع السني - الشيعي في العراق وإيران واليمن، والصراع السني - العلوي في سوريا، ومواجهة الإلحاد في أفغانستان، ومواجهة الثقافة الغربية في أفريقيا، أو "الردّة "عن الإسلام إذا كانت البيئة من المذاهب السنية.
- إدارة هذه الجماعات بشكل مباشر من قبل المخابرات الأمريكية و"الإسرائيلية"، وتعيين أمراء وقادة مجهولي النسب والانتماء، وشخصيات مغمورة ليس لها جذور عشائرية أو عائلية معروفة.
- استخدام السجون الأمريكية كمعاهد تدريب وإعداد لأمراء وعناصر هذه الجماعات التكفيرية، حيث يكون الإفراج عنها بمنزلة التخرج الرسمي للبدء بالعمل الميداني، لتأمين المصالح الأمريكية ضمنًا، وقتالها والصراع معها ظاهرًا، ولو استوجب بعض العمليات العسكرية ضدها.
- القاسم المشترك بين كل هذه الجماعات التكفيرية منذ ولادتها قبل أكثر من 50 عامًا أنها لم تقاتل "إسرائيل"، ولم تقم بأي عملية ضدها، ولو بشكل تضليلي بعنوان تحرير القدس، بل حصرت كل قتالها منذ قتالها للاتحاد السوفيتي الذي كان حليفًا للعرب، وضد إيران، وضد العراق ولبنان وسوريا واليمن، بسبب موقفهم المقاوم "لإسرائيل" والرافض للتطبيع والسلام.
- تكليف كل جماعة تكفيرية بقتل "أمها" التي وُلدت من رحمها وتكفيرها، واتهامها بالردة والخروج عن حكم الله، ونقض البيعة لأميرها وخليفتها بعد انتهاء مهمة "الجماعة - الأم" وفق القرار الأمريكي، والتخلص من الجماعة القاتلة بعد انتهاء المهمة.
- النهاية الغامضة لقادة هذه الجماعات التكفيرية، وادعاء أمريكا قتلهم بعمليات هوليوودية لا سند لصحة أخبارها ، التي أعلنت اغتيال "بن لادن" ورمي جثته في البحر حتى لا تُطالب ، بتأكيد الاغتيال، وكما فعلت مع "أبي بكر البغدادي" خليفة داعش الذي أعلنت اغتياله أيضًا دون دليل، واغتيال "أيمن الظواهري" بالإضافة إلى بعض القادة الوسطيين. ويبدو أن نهاية هؤلاء ليس القتل، إنما إحالتهم إلى التقاعد لحمايتهم، أو لإعادة "تدويرهم" للعب أدوار سياسية جديدة!
بعد إنجاز جبهة النصرة، المسمّاة جبهة تحرير الشام، مهمتها، كقناع لإسقاط نظام الأسد في سوريا، وبعد إنهاء مهمتها بالتطبيع والاتفاقات الأمنية مع "إسرائيل"، والتأسيس لتقسيم سوريا، فإن الإدارة الأمريكية تتجه للاستغناء عن خدماتها وخدمات أميرها "أبي محمد الجولاني" لإبعاده عن المسرح السياسي من بوابة "داعش"، بعدما استدعته للانضمام للتحالف الأمريكي ضد داعش التي قررت أمريكا تصفيتها ووقف حراكها في السنوات الثلاث الماضية، وتقديم جبهة النصرة عليها!
من عجائب أمريكا أنها دعت "الجولاني"، الذي صنفته إرهابيًا مع جماعته، للمشاركة في الحرب على الإرهاب!
هل تقوم أمريكا بقتل "الجولاني" على أيدي "داعش"، لإعطائها الجغرافيا المحاذية للبنان والعراق، للبدء بمواجهة المقاومة في لبنان والحشد الشعبي في العراق نيابة عن "إسرائيل" وأمريكا؟
أمريكا... و"دومينو" التكفيريين لخدمة مصالحها _ د. نسيب حطيط
الأحد 09 تشرين الثاني , 2025 07:45 توقيت بيروت
أقلام الثبات
"إسرائيل" عاشر الحملات الصليبية ــ عدنان الساحلي
الحرب الثقافية... وتغيير المفاهيم ــ د. نسيب حطيط
أحمد الشرع... مغامرة انتحارية ومقامرة خاسرة _ أمين أبوراشد