"إسرائيل" عاشر الحملات الصليبية ــ عدنان الساحلي

السبت 08 تشرين الثاني , 2025 12:38 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
شهدت البلاد العربية منذ مئات السنين، سلسلة حملات عسكرية غربية، كانت توسعية واستعمارية في جوهرها، لكنها تغطت بالدين ورفعت شعار الصليب، لذلك سميت بالحملات الصليبية. واستمرت تلك الحملات نحو قرنين من الزمان، فيما بين عامي 1096 و1291م؛ وشملت ثماني حملات رئيسية، تفاوتت في حجمها وقوتها ومقدار نجاحها، وكان مقصدها الأساسي بلاد المشرق العربي.
طبعاً، هذا التوسع تسقط حجته الدينية، عندما نتذكر أطماع الإمبراطوريات القديمة في بلادنا، منذ حملات الرومان واليونان والفرس. كما سقطت تلك الحجة، عندما وسع الصليبيون غزوهم لاحتلال مصر، البعيدة جغرافياً عن بيت المقدس.
وعندما نضع في الاعتبار أن ملوك الإنكليز والفرنسيين وباقي الدول الأوروبية، كانوا هم قادة واصحاب مشروع الحملات الصليبية، هم أنفسهم – ولو تغير الأشخاص- الذين احتلوا بلادنا وورثوا "رجل أوروبا المريض"، أعني الدولة العثمانية؛ وقسموا التركة فيما بينهم عبر اتفاقية "سايس- بيكو"، ثم تولت إنكلترا "إعطاء ما لا تملك لمن لا يستحق"، في "وعد بلفور"، الذي صدر في مثل هذه الأيام من عام 1917؛ وأعطى الحركة الصهيونية فلسطين كوطن لليهود، فإن من الطبيعي أن نعتبر الاستعمارين البريطاني والفرنسي، كانا الحملة الصليبية التاسعة، التي لم تغادر بلادنا إلا بالقوة وبعد ثورات وحروب دموية، امتدت من لبنان وسورية في المشرق، حتى الجزائر وتونس والمغرب وليبيا، التي كان للاستعمار الإيطالي حصته في احتلالها ونهب خيراتها. وفي فلسطين، لم تتورع بريطانيا عن التدخل العسكري في قمع الثورات الفلسطينية، وفي حماية الكيان "الإسرائيلي" عند تأسيسه، فيما تولت فرنسا عام 1956 توفير التكنولوجيا النووية له، لإعطائه حصانة ضد أي قوة عربية تسعى لتحرير فلسطين. 
وعندما نفّذ مئات المقاومين الفلسطينيين عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من تشرين الأول عام 2023، أحدثوا زلزالاً ضرب الكيان الدخيل الذي يحتل فلسطين، لكن الزلزال الأكبر اصاب رعاة هذا الكيان واصحابه الفعليون: دول الغرب الأوروبي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، الذين دفعهم رعبهم على مصير قاعدتهم العسكرية المتقدمة "إسرائيل"، إلى حشد أساطيلهم الحربية وحاملات طائراتهم وبوارجهم، في شرق البحر المتوسط؛ وكان الرئيس الأميركي السابق جو بايدن على رأس تلك القوات.
وعندما سئل بايدن هل سيرسل قوات أميركية لمساعدة "إسرائيل"، قال:(لقد ساعدنا "إسرائيل" بالفعل. وسنقوم بحمايتها). وبدوره صرح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بأن فرنسا ساعدت "إسرائيل" في التصدي للرد الصاروخي الإيراني. أما مجموعة الدول السبع، التي تضم أميركا واتباعها الأوروبيين، فكررت موقفها بالقول: "التزامنا بشكل لا لبس فيه بأمن إسرائيل".
فالدول الغربية، المنتمية للاستعمار القديم، هي ذاتها تمثل "الإمبريالية" الحديثة، ولا نستثني المانيا، التي كان ملوكها يقودون حملات صليبية على بلادنا؛ وهي مثل غيرها اليوم تلتزم بأمن وحماية الكيان "الإسرائيلي". وكل تلك الدول، تعتبر "إسرائيل" رأس حربتها في عدوانها على المنطقة العربية؛ وفي سعيها الدائم للسيطرة عليها واحتلالها وسرقة خيراتها الطبيعية واستغلال موقعها الجغرافي. حتى ليصح القول إن إنشاء "إسرائيل" عام 1948 كان هو الحملة الصليبية العاشرة.  
والواقع، أن معظم الحكام العرب وبعض اللبنانيين، في خنوعهم أمام الغرب؛ وفي تواطؤهم مع مشاريعه، بما في ذلك تواطؤهم مع الكيان "الإسرائيلي" العدواني والتوسعي، إنما يقرون بان إنشاء هذا الكيان، هو حملة عسكرية غربية جديدة، لا تختلف عن سابقاتها إلا في الأسلوب وفي استخدام اليهود وأساطير الصهيونية، لتنفيذ مشاريع الهيمنة والتسلط الغربية.  
كانت الحروب الصليبية تشن حملاتها برأ لتحتل بلادنا. وكانت المواجهات تستمر مع كل حملة سنوات وعقوداً، حتى يتم كنسها وطرد عساكرها وملوكهم. واستمر الحال قرابة مائتي سنة، إلى أن ظهرت الدولة العثمانية، فأقفلت طريق البر أمام الصليبيين؛ وطاردتهم حتى أبواب فيّينا. وبعد عقود وعهود، انتقلت شهوة التوسع إلى نابوليون بونابرت، فعبر البحر إلى مصر ومنها إلى عكا، التي هزمته وصدته بأسوارها الحصينة. ثم انتهى نابوليون، تاركاً العبر التي أخذها هو وستمائة عالم، رافقوا غزوه لبلادنا. وتلقف الإنكليز تلك العبر، فوقف أحد ساستهم يقول في مجلس اللوردات البريطاني سنة 1814: "إن المنطقة الواقعة بين مضيق جبل طارق والخليج الفارسي، هي أكثر منطقة في العالم ينسجم سكانها في عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم ودينهم وتاريخهم، لكن وجود دولة واحدة فيها يتعارض مع مصالحنا".
وهكذا، كان الحل الأوروبي، بأيدي البريطانيين، عبر إقامة كيان غريب يفصل المشرق العربي عن مغربه، فالمؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل في سويسرا، عام 1897، بزعامة تيودور هرتزل، طالب الدول الغربية بمساعدة اليهود على إقامة دولة لهم في أوغندا، أو في الأرجنتين. لكن كان لبريطانيا رأيها المختلف، في إقناع الحركة الصهيونية باختلاق شعار (حدودك يا "إسرائيل" من الفرات إلى النيل). ووفرت بريطانيا كل الدعم لإنشاء هذا الكيان التوسعي الإجرامي. ومنعت الأنظمة العربية التي كانت كلها تدور في فلك الاستعمارين البريطاني والفرنسي، من الوقوف والقتال جدياً لمنع إنشاء هذا الكيان. ولذلك، عندما دخل الجنرال الفرنسي غورو إلى دمشق، ركل قبر صلاح الدين الأيوبي بقدمه وقال له :"اصحَ يا صلاح، ها قد عدنا". وسيكتشف اليهود، الذين يتظاهرون في نيويورك ضد جرائم "إسرائيل"، ان هذا الكيان ليس سوى أداة والعوبة بايدي دول الغرب، الذي طالما اضطهد اليهود ونكل بهم وأسكنهم في معازل. وأن هذا الغرب يستعملهم وقوداً لأطماعه ولحروبه وغزواته، لمنطقة طالما سعى للسيطرة عليها منذ ان ظهرت دول وتكونت حكومات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل