الحرب الثقافية... وتغيير المفاهيم ــ د. نسيب حطيط

السبت 08 تشرين الثاني , 2025 09:54 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تواجه مجتمعاتنا العربية والإسلامية حربًا ثقافية متعدّدة الأوجه والأدوات، تهدف إلى تغيير مفاهيمها وعقائدها وعاداتها، وسعيًا لتشكيل الفرد وفق النمط الغربي، كخطوة أولى نحو بناء مجتمع خاضع لمفاهيم وعادات وأخلاقيات تتعارض في مجملها مع قيمنا وديننا، وحتى مع المبادئ الإنسانية والأخلاقية العامة والهدف من ذلك هو إسقاط المجتمعات من الداخل، أو استعمار عقولها، أو تسييرها عن بعد عبر فرض قوانين تحت مسميات مثل الحداثة، والعصرنة، ومحاربة الجهل والتخلف والرجعية، أو باسم الديمقراطية وفق التوصيف الأمريكي، وليس بمفهومها المطلق الأصيل.
منذ أكثر من ستة عقود، تتقاذف مجتمعاتنا عواصف ثقافية وفكرية وأيديولوجيات مستوردة، تتراوح بين الفكر الاشتراكي الشيوعي، أو الإسلام الأمريكي التكفيري، أو الثقافة الغربية.. وهذا الاستيراد غالبًا ما يكون بوجهه السلبي، كتحويل المرأة إلى سلعة للدعاية أو الاستثمار، أو الترويج للشذوذ الجنسي، أو تآكل القيم الاجتماعية والأخلاقية، وليس بوجهه الإيجابي المتعلّق بتطوير العلوم أو تحسين سبل العيش، ويلاحَظ غياب المقاومة الثقافية أو الفكرية لهذه الحرب الشرسة، عدا محاولات فردية محدودة، ويتزامن ذلك مع محاولة ترويض الإسلام وتفسيره ليتوافق مع الأفكار الغربية الدخيلة، مما يؤدي لتفريغ الإسلام من جوهره، فتارةً يُشبّه الإسلام بالاشتراكية، وتارةً بالديمقراطية، مع التهرّب من طرح جوهره الأصيل كنظام سياسي واجتماعي شامل. كما يعمل أصحاب ما يُسمى "الإسلام السياسي" متعدّد الأسماء، الذي يرتبط بجهات خارجية، مرة ببريطانيا ومرة بأمريكا.
لقد نجحت المنظومة السياسية الغربية، بقيادة أمريكا، في تغيير أسس المفاهيم القانونية والسياسية والأخلاقية وفرضها على القانون الدولي وعملائها في الدول. ومن أمثلة هذا التغيير:
-  تحريف مفهوم المقاومة وحق الشعوب في تحرير أرضها وفقًا للمعايير القانونية والدينية والأخلاقية والإنسانية، واعتبار كل حركة مقاومة للمشروع الأمريكي إرهابية على مستوى الأفراد والجماعات، واعتماد القرارات الأمريكية كمرجعية دولية للقرارات الوطنية والعالمية بدلًا من القانون الدولي، وإعطاء أمريكا وظيفة "مأمور النفوس العالمي" الذي يمنح "إخراجات القيد الديمقراطية" لمن يخدم مصالحها، بينما تصف الأفراد والمنظمات والدول التي تعارض سياساتها بالإرهاب.
- تغيير مفهوم الاحتشام والستر والحجاب واعتباره تخلفاً ورجعية، وحُظر ارتداؤه في الغرب (خصوصاً أوروبا)، في المقابل تم تبني الإباحية والتحرّر، كدلالة على العصرية والحداثة.
- تغيير مفهوم حرية المرأة والأمومة، حيث جرى تشجيع مفهوم "الأم العازبة" وبناء الأسرة أحادية الجناح، مما يهدف إلى هدم مفهوم الأمومة السليمة (الأم المتزوجة) وتفتيت الأسر والمجتمعات، تماشياً مع اتفاقية "سيداو" التي تُفرض على الدول.
- تغيير المفهوم الديني والإنساني والطبيعي للزواج واستبداله بزواج المثليين (زواج الجنس الواحد)، علمًا بأن هذا يتعارض مع بقاء الأسرة والجنس البشري والقيم الأخلاقية والإنسانية والطبيعة التي جعلت التناسل يتم عبر الذكر والأنثى حتى في الأشجار والحيوانات، مما خفّض مرتبة الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم إلى مرتبة أدنى من الحيوانات والنباتات.
- تغيير مفاهيم الأخلاق والآداب العامة من خلال نشر المخدرات والملاهي الليلية والإباحية، وتسطيح الثقافة والفن، وتغيير الأزياء بحيث أصبح البنطال الممزق، الذي كان رمزًا للفقر والعوز، علامة على الحداثة يتسابق إليه الرجال والنساء.
إننا نقف على الثغور والحدود حاملين بنادقنا لمواجهة العدو المحتل لأرضنا، لكننا مكلفون أيضًا بحراسة عقول أبنائنا وبناتنا من الإستعمار الثقافي الناعم الذي يمارسه العدو، هذا الاستعمار يستبدل "ولاية الفقيه"، و "ولاية الأمة"، ومرجعية التقليد، بولاية "مصممي الأزياء"، و"ولاية الحلاقين والمغنين"، حيث يتبعهم الأغلبية طوعًا دون نقاش، ويسارعون لدفع ثمن ولائهم، في حين يُناقش في المقابل مفهوم الولاية الشرعية أو ولاية الأب والأم داخل الأسرة.
إننا أمة تتعرض للإستباحة الثقافية والأخلاقية، مُستسلمة بلا مقاومة فكرية وثقافية، تربي أطفالنا أفلام الرسوم المتحركة التي ينتجها الغرب وتبث في عقول الصغار مفاهيم وأفكارًا للتوحش والقتل والانحراف حتى صار التلفزيون والهاتف بمثابة "الأم المربية"، وتم استعمار عقول الأغلبية حتى أصبحوا جنودًا للفكر الغربي-الماسوني، يحاصرون أولئك الذين يقاومون ويتهمونهم بالجنون أو المغامرة أو الإضرار بالمجتمع الذي ينشغل بالترف والسهر والمطاعم.
فهل يبادر أهل العلم والمعرفة والثقافة والأخلاق، لمواجهة هذه الحرب الخبيثة، أم ستبقى عقول أجيالنا مُعرّضة للغزو الثقافي؟
قاوموا نزع الفكر والعقيدة، لأنه أخطر من نزع السلاح!


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل