سوريا... من أزمة المقاتلين الأجانب إلى مُعضِلة الانتداب الأجنبي ــ أمين أبوراشد

الأربعاء 29 تشرين الأول , 2025 10:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

أثارت تصريحات أحمد موفق زيدان؛ مستشار الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، جدلاً حول مصير المقاتلين الأجانب في سوريا، وحَسَم مصيرهم بإبقائهم على أراضيها، حيث لا مكان آخر لإعادة "تصديرهم"، خصوصاً إلى البلدان التي يحملون جنسياتها ورفضت استقبالهم تحت أية ظروف، ربما لأن مصطلح "أسباب إنسانية" لا ينطبق عليهم، هم الذين غادر بعضهم بلدانهم هرباً من أحكام قضائية وأفعال جرمية، وباتوا يحملون صفة "مرتزقة غُبّ الطلب" لأي مكان في العالم.

ومن الخطأ اعتبار هؤلاء المقاتلين أنهم قَدِموا جميعاً للقتال في سوريا بهدف إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد "العلوي"، من منطلق ديني لصالح العصبية السنِّية، لأن هذه النظرية تنطبق فقط على بضع مئات من العناصر العربية والتركية والباكستانية، لكنها لا تنطبق على الاوزبك والإيغور والأوروبيين الذين تعتبرهم بلدانهم من المنحرفين ومرتكبي الجنح والجرائم على أنواعها. 

سبعون جنسية ينتمي إليها المقاتلون الأجانب في سوريا، يتوزعون على عشرات الفصائل، بصرف النظر عن الذين تم تسريحهم من "الجيش الحر"، وعناصر "الجيش الوطني" التابعين لتركيا ويتقاضون رواتبهم منها ويأتمرون بأوامر أنقرة أو ممثليها في فندق Four Season بدمشق.

من بين الفصائل الأجنبية الكبرى في سوريا: "كتيبة الإمام البخاري" من الأوزبك، و"التوحيد والجهاد" من الطاجيك، و"أسود القوقاز" من الشيشان، و"الحزب الإسلامي التركمانستاني" من الإيغور، و"الفتح المُبين" من القوقاز وداغستان، و"المهاجرين العرب" من تونس والمغرب ومصر، و"لواء الصابرين" من باكستان وأفغانستان، و"لواء الغرباء" من فرنسا وبلجيكا وألمانيا، إضافة الى "أنصار السنَّة"، و"فرسان السنَّة" و"لواء الشام" و"سرايا النصرة الأجنبية" و"لواء التحرير" وسواهم.

لا شيء عقائدي يجمع بين هذه الفصائل بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق سوى الجهاد من أجل الجهاد، وبعض هذه الفصائل لديها ثأر مع الهيئة مثل "التوحيد والجهاد" الطاجيكية، ولدى بعضها مخازن أسلحة ثقيلة في جبل الزاوية مثل "كتيبة الإمام البخاري"، ومنها مَن حفرت الأنفاق في أماكن سيطرتها مثل "الحزب الإسلامي التركمانستاني"، ومنها أيضاً "لواء الغرباء" الذي يرفع شعار "لن نُسلَّم أحياء".

ما تُجمع عليه فصائل المقاتلين الأجانب في سوريا، أن الرئيس أحمد الشرع بات "مُرتداً" لمجرد أنه انغمس في سياسة الدولة المدنية، والديمقراطية التي تنقض مبدأ "دولة الخلافة".

ومن القواسم المشتركة بين هذه الفصائل حالياً، انقطاع الرواتب عن بعضها وتوقُّف التمويل عن بعضها الآخر، وباتت الغنائم هي مصدر الاسترزاق والقوت اليومي، من مصادرة أراضي ومنازل وسيارات وتجهيزات منزلية، إضافة إلى الجزية وفدية الخطف، والغرامات المفروضة على التجار، وصولاً إلى السطو على المزارع ونهبها بما فيها من حيوانات ودواجن كما حصل في السويداء وما يحصل يومياً ولغاية الآن في الساحل من خلال إرهاب المدنيين والبطش بهم.

ووسط الحديث عن اقتراب انفصال الكيانات السورية، سواء عبر اللامركزية أو الفيدرالية أو التقسيم: إقليم وسط وغرب سوريا للعلويين، وشمال شرق سوريا للأكراد، وجنوب سوريا للدروز، فإن فصائل المقاتلين الأجانب قادمة على اقتتال فيما بينها لضمان البقاء حيث هي، واقتتال أكثر ضراوة مع قسد في مناطق التماس معها، وعمليات قمع غير مسبوقة في الساحل السوري والوسط الشمالي عند انتشار القوات الروسية، هذا إذا استبعدنا دخول داعش على خط المعارك التي لا مفر منها.

أزمة جغرافيا سوف تواجهها فصائل المقاتلين الأجانب، وهي المنبوذة كردياً وعلوياً ودرزياً، ومع صعوبة التسلل إلى الحدود الأردنية والعراقية شرقاً، والحدود اللبنانية غرباً، والحدود مع فلسطين المحتلة جنوباً، يبقى الإقليم الداخلي السنِّي (ريف حماه وتدمر ودمشق) هو الملاذ الآمن طائفياً لهذه الفصائل ولكن، كل إسلام بلاد الشام رافض لهذه الجماعات التكفيرية، ويُخشى أن يكون الحل النهائي إنهاكها عسكرياً وتصفيتها بالتي هي أحسن، لأن لا مستقبل لهذه الجماعات في البيئة الوطنية السورية، شرط أن توافق قوى الانتداب الأجنبية التي أسقطت نظام الرئيس بشار الأسد على عودة الحياة إلى سوريا، وفي طليعتها أميركا وروسيا وتركيا و"إسرائيل"، وعرب التطبيع ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل