خاص الثبات
يا من تزيّنتم بعمائم الدين، وتصدّرتم المنابر، وتحدثتم باسم الشريعة والحق والضمير...
أين أنتم اليوم وقد وقع الظلم على سماحة المفتي أحمد بدر الدين حسون؟
أين أصواتكم التي كانت تملأ الأثير مديحًا وإشادة حين كان في منصبه؟
ألم تكونوا تتسابقون لالتقاط الصور إلى جواره، وتتباهون بمجالسته؟
فلماذا خيّم صمتكم اليوم، وقد اختطفه الجولاني وزجّ به في السجن انتقامًا منه؟
أهو الخوف؟ أم المصلحة؟ أم العجز الذي لبس لبوس الحكمة؟
لقد علمتم جميعًا من هو المفتي، وعرفتم صلاحه واعتداله وحرصه على الكلمة الجامعة التي تدعو إلى الوحدة ونبذ الفتنة. ولم يكن يومًا تابعًا لأحد، ولا بوقًا للسلطان، كما يحاول خصومه أن يصوروه.
فعندما غادر الرئيس بشار الأسد سوريا ودخلها أبو محمد الجولاني، لم يكن الشيخ حسون في منصب الإفتاء أصلاً. فقد جرى في نهاية عام 2021 ما يشبه المؤامرة المنسقة بين وزير الأوقاف حينها وبعض المشايخ لإلغاء منصب المفتي، بذريعة أن الفتوى ينبغي أن تكون جماعية لا فردية. وهكذا نُقل القرار إلى “المجلس العلمي الفقهي”، ليُسلب المفتي موقعه ومقامه الشرعي والتاريخي.
وهذا وحده كافٍ لإثبات أن الرجل لم يكن من “بطانة النظام” كما يزعم خصومه، بل كان صاحب رأي وكلمة وموقف. ومع ذلك، ما إن طاله ظلم الجولاني حتى لزم الجميع الصمت — من رجال دين، ومن إعلاميين، ومن مؤسسات كانت بالأمس تتغنى بعلمه وفكره، وتستضيفه على شاشاتها في برامج أسبوعية.
فأين هي اليوم تلك المنابر؟
لماذا لم تجعل من حادثة خطفه قضية رأي عام؟
أين الغيرة على العلماء؟
وأين صوت الأزهر الشريف الذي كان ولا يزال مرجعًا للأمة كلها؟
صمتكم جريمة
إن الصمت عن الظلم لا يُعد حيادًا، بل هو تواطؤ.
وقد حذّر النبي ﷺ من ذلك في قوله:
"ما من امرئ يخذل امرأً مسلمًا في موضعٍ تُنتهك فيه حرمته ويُنتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطنٍ يحب فيه نصرته."
فالسكوت عن الظلم، خصوصًا من رجال الدين، هو خذلان للدين نفسه قبل أن يكون خذلانًا للإنسان.
وهو اشتراك في الإثم والعقوبة، كما قال ﷺ:
"إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه."
فويلٌ لمن رأى عالمًا يُهان، أو مظلومًا يُسجن، فآثر الصمت خشية سطوة الظالم أو طمعًا في رضا السلطان.
إن الله تعالى لا يقبل منكم هذا التخاذل، لأن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء ما سكتوا عن الظلم يومًا، بل جهروا بالحق ولو كلّفهم ذلك حياتهم.
نتائج الصمت عن الظلم
المشاركة في الإثم والعقوبة: فالساكت شريك في الجريمة، ومن لم ينهَ عن المنكر فهو كفاعله.
غضب الله وسخطه: لأن الله يبدأ هلاك القرى بظلمها، ثم بمن لم يغضب لله حين رأى الظلم.
استمرار الظلم وتماديه: فالسكوت هو الأوكسجين الذي يتنفس به الطغاة.
خراب العمران والمجتمع: كما قال ابن خلدون رحمه الله: "الظلم مؤذن بخراب العمران."
نقصان العدالة وفساد القيم: حين يُكرم الظالم ويُهان الصالح، تهلك الأمم كما هلكت من قبلها.
رسالة إلى العلماء وأهل العمائم
اتقوا الله في صمتكم، فأنتم حراس الكلمة وحملة النور.
كونوا كما أرادكم الله: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، لا تخشون في الله لومة لائم.
قال تعالى:
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}.
ولا تكونوا كمن رأى الباطل فزينه، أو سمع الظلم فبرره، أو شاهد الإثم فسكت عنه.
إن نصرة الحق لا تحتاج إلى سلاح، بل إلى قلب صادق ولسان نزيه.
يا أصحاب العمائم...
لقد ابتُليتم اليوم بابتلاءٍ عظيم، فإما أن تكونوا شهداء للحق، أو تكونوا شركاء في الباطل.
فمن سكت عن الظلم، فقد رضي به.
ومن رضي بالظلم، فقد شارك فيه.
ومن شارك فيه، فانتظر عقوبة الله في الدنيا قبل الآخرة.
صدرت الأوامر للجولاني... المطلوب القضاء على "ثوار" الأمس _ حسان الحسن
"إسرائيل"... بناء مستوطنات بلا مستوطنين تسكنها البوم والغربان ــ أمين أبوراشد
الاحتلال الجوي... الجيل الثالث من الاحتلال "الإسرائيلي" للبنان ــ د. نسيب حطيط