أقلام الثبات
تدخل "كربلاء الشيعة" اللبنانيين عامها الثالث دون أي مؤشرات لنهايات قريبة، وربما تمتد "لعشرية نازفة". فالأقوال والسلوكيات توحي بما هو أسوأ من تزايد الخصوم والأعداء وتناقص جبهات المواجهة مع العدو "الإسرائيلي"، حتى تحوّل الشيعة والمشروع المقاوم في لبنان إلى غرباء في وطنهم ومنبوذين ومعزولين، وصارت المقاومة "جريمة" يعاقب عليها من يحملها كفكرة وليس كسلاح فقط، وصارت العمالة وسامًا وطنيًا يتنافس الأنذال لتعليقه على صدورهم والتعدّي على المقاومين الذين كشفوا خيانتهم وعمالتهم للعدو.
إن كل حركة إصلاحية أو مقاومة أو شخص إصلاحي ومقاوم يتحوّل إلى عدو للخائنين والمستسلمين والظالمين، فسابقًا اتُهمت الأنظمة وزعماء السياسة الشيوعيين بأنهم كفار لأنهم حاولوا نصرة الفقراء والعمال، وتحولت أحزاب اليسار إلى شياطين تقمعهم السلطة، وكذلك عندما كان الفدائيون الفلسطينيون في بداياتهم، فطردهم العرب ونفوهم إلى جنوب لبنان من بوابة اتفاق القاهرة. أما الآن فلم يبقَ في هذه الأمة "الملعونة" إلا بعض حركات المقاومة وبعض الأشخاص، ولم يبقَ في لبنان حتى الآن سوى المقاومة وطائفتها، لكنها تعيش الغربة والعزلة حتى تجرأ بعض الطحالب والرويبضات وأبواق السفارات الرسمية والحزبية على التهجّم على عقيدتها وثقافتها ورموزها، ووصلت النذالة، بأحد المخمورين، بشراب العمالة، إلى اقتراح تحويل إنفاق المقاومة والعزة والكرامة إلى أنفاق نبيذ، لأنه لا يمتهن إلا ثقافة الخمر والرقص للعدو.
يحمّل المسؤولون الرسميون والحزبيون وبعض رجال الدين المقاومة مسؤولية فتح الأبواب أمام الاعتداءات "الإسرائيلية"، ويبرئون العدو الذي يقصف آبار المياه لأنها تسقي المقاومين، ويقصف الجرافات لأنها تزيل الركام من بيوت المقاومين، ويمنع قطاف الزيتون حتى لا يأكل منه المقاومون، وقريبًا يمكن أن يقصف الأفران لأنها تعطي الخبز للمقاومين، ويلوّث الهواء حتى لا يتنفس منه المقاومون، ويمنع الزواج حتى لا ينجب المقاومون أولادًا، وسيغلق كل جمعية فنية، وسيكسر كل قلم مقاوم وريشة فنان مقاوم. فعندما طالبت إسرائيل بنزع السلاح المقاوم وأصدرت السلطة السياسية قرارًا بنزع السلاح، كان المقصود كل سلاح مقاوم سواء كان كلمة أو لوحة أو أنشودة، ولا ينحصر بالصواريخ...ونسأل هؤلاء الحاقدين، منتحلي صفة "السيادة":
هل تحمل المقاومة سلاحها داخل فلسطين المحتلة أو في لبنان حتى تطالب "إسرائيل" بنزعه؟
هل تقوم السلطة وأجهزتها بتطبيق القوانين "الإسرائيلية" والأمريكية في لبنان، أم أن واجبها تطبيق القوانين اللبنانية؟
هل تحتل المقاومة وطائفتها أرض العدو "الإسرائيلي" – التي ليست ملكه – أم أن "إسرائيل" تحتل الأراضي اللبنانية؟
هل أطلقت المقاومة اللبنانية طلقة واحدة طوال عام مع أن "اتفاق تشرين" يحفظ حقها بالرد – ولن يطول الأمر بعدم الرد وليست ملزمة بالرد بالصواريخ – ومع ذلك لم تدينوا "إسرائيل"، وتهاجمون المقاومة؟
هل "إسرائيل" الكبرى التي أعلنها نتنياهو، تضم كل لبنان أم تضم أراضي الطائفة الشيعية فقط؟
من يعتقد منكم، أنه سينجو بعد قطع رأس المقاومة والطائفة الشيعية فهو ساذج وواهم.
من يعتقد من الشيعة أيضًا أنه سينجو إذا قطع رأس الحزب فهو ساذج وواهم.
من يعتقد أن "إسرائيل" تعترف بحلفاء فهو واهم.
تطالبكم المقاومة وطائفتها أن لا تكونوا في خندق العدو، وأن لا تطعنوها في ظهرها، لأن العدو لن يعطيكم مكافأة على ذلك، وسيترككم لمصيركم الأسود، كما ترككم في دير القمر ونقلكم بالباصات عندما حصلت الحرب بين الدروز والمسيحيين، وترككم على "بوابة فاطمة" عندما أجبرته المقاومة على الانسحاب، وها هو يترك عملاءه في غزة ويمنعهم من الدخول إلى إسرائيل كما ترك البريطانيون والأمريكيون عملاءهم في أفغانستان والعراق... وستبدأ المقاومة بمعاملتكم وفق معادلة "صديق عدوّك...عدوّك"!
سنصبر ولن نستسلم، لكننا سننهض ثانية بإذن الله، ولا نستجدي عطفكم ،فلسنا ضعفاء ،بل حكماء وعقلانيون ،لا زلنا نحصر سلاحنا بوجه العدو وسنعيد توازن الردع الذي سيمنع الاعتداء على لبنان، وستعود القوة التي تلجم كل متطاول علينا، وإن لم نستطع الآن، فسيتكفّل أبناؤنا وأحفادنا بذلك... لن نغامر، لن ننتحر، وسنقاوم بعقل وصبر وشجاعة... وسننتصر بإذن الله تعالى.
الشيعة والمقاومون... بين العزل والاغتيال _ د. نسيب حطيط
الأحد 12 تشرين الأول , 2025 03:31 توقيت بيروت
أقلام الثبات

