خاص الثبات
في صباح الثامن من تشرين الأول عام 2023، كتب التاريخ صفحة جديدة من العزّة والصمود. فبينما كانت غزة تُباد على مرأى العالم، صمتت الأنظمة، وغابت الضمائر، لكنّ رجالاً من نورٍ أبوا أن يكونوا شهود زورٍ على المذبحة. من لبنان، من العراق، من اليمن، من إيران، ارتفعت راية الإخلاص للمظلومين، واشتعلت جبهة الإسناد دفاعاً عن الحق في وجه آلة القتل الصهيونية.
في ذلك الصباح، دوّى بيان المقاومة الإسلامية في لبنان ليكسر صمت الخوف، معلناً أن طريق تحرير فلسطين يمرّ من كلّ أرضٍ عربيةٍ ترفض الذلّ. جاء في البيان أن مجموعات الشهيد القائد عماد مغنية شنّت هجوماً على ثلاثة مواقع للاحتلال في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة — الرادار، زبدين، ورويسات العلم — مستخدمة المدفعية والصواريخ الموجّهة، ومحققة إصابات دقيقة أربكت العدو وأعادت التذكير بأن في هذه الأمة من لا ينام على الضيم.
منذ ذلك اليوم، لم تهدأ الجبهة. امتدّ لهيبها على طول الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة وحتى الجولان السوري، فاستُهدفت المواقع العسكرية، ومراكز القيادة، والدبابات، والمصانع، والمسيرات، حتى باتت الجبهة الشمالية جرحاً مفتوحاً في جسد العدو. أكثر من ثلث جيشه انشغل في مواجهة المقاومين هناك، فيما تهجّر عشرات الآلاف من المستوطنين من مدن الشمال، وارتسمت داخل الأراضي الفلسطينية منطقةٌ عازلة وصلت إلى عمق خمسة عشر كيلومتراً — إنجاز ميدانيّ ما كان ليتحقق لولا ثبات المقاومين وتضحياتهم.
لقد أربكت جبهة لبنان العدو الصهيوني وأفشلت حساباته الكبرى. فالمخطط الذي كان يهدف إلى اجتياحٍ بريٍّ واسعٍ وتصفية المقاومة في غزة، تهاوى أمام صلابة الميدان، حتى أقرّ وزير حربهم، يؤاف غالانت، بأن حكومته كانت قاب قوسين أو أدنى من اتخاذ قرار بشنّ حرب شاملة على لبنان، لولا الخشية من أن تتحوّل المواجهة إلى كارثة استراتيجية على الكيان بأسره.
واليوم، بعد مرور عامين على انطلاق جبهة الإسناد، تبقى تلك المعركة وساماً من نورٍ على صدور المجاهدين الذين رابطوا واستشهدوا في سبيل الكرامة. هي معركة لا تُقاس بنتائجها الميدانية فحسب، بل بمعناها الإنساني والروحي — حين اختار الأحرار أن يقفوا إلى جانب المظلومين لا أن يتفرّجوا على موتهم.
وفي قلب تلك المسيرة، يبقى اسم السيد حسن نصرالله، سيد شهداء الأمة، عنواناً للوفاء والثبات، ورمزاً للحق الذي لا يموت. جبهة الإسناد لم تكن حدثاً عابراً، بل كانت صرخة في وجه الصمت العالمي، ودليلاً على أن في هذه الأمة رجالاً إذا ناداهم الواجب، لبّوا… وإن كان ثمن التلبية دماءهم الطاهرة.