أقلام الثبات
اعتبر البعض أن جلوس وفد حركة "حماس" مع الوفد "الإسرائيلي" لتوقيع الاتفاق، انتصار للمقاومة الفلسطينية وهزيمة للعدو الذي اضطر للتفاوض مع من حاول اغتياله وأنه يفاوض حركة المقاومة التي أراد القضاء عليها، وهذا لسان المتفائلين وفق معايير لا تنسجم مع ثوابت ومبادئ المقاومين الذين لا يعترفون "بإسرائيل" ولن يعترفوا، سواء بالإكراه أو بالاختيار ولو خسروا كل شيء، بينما يرى المقاومون المبدئيون أن التفاوض المباشر بين حركة حماس والعدو "الإسرائيلي" انتصار للعدو وليس للمقاومة، إلا إذا اعتبرنا أن "غارة" قطر "الإسرائيلية" لم يكن هدفها القتل وإنما "مذكرة جلب" لقيادة حماس، لكي تقبل خطة "ترامب"، ثم تأتي برفقة الوسيط مخفورة بالتهديدات لكي توقّع "لا أدين جلوسها... ولا أُثني عليه".
ستزداد النقمة والحصار على المقاومة اللبنانية، بسبب موقفها العقائدي، وعدم الاعتراف "بإسرائيل" وعدم تسليم سلاحها ورفض تنازلها أو حيادها عن المشروع المقاوم، وستتقاطع مصالح الجميع ونقمتهم عليها من الأعداء والخصوم والأصدقاء والحلفاء، لتضرر مصالحهم وكشف عوراتهم وفق التالي:
- فالتحالف الأمريكي - "الإسرائيلي" يعتقد أن مشروع "إسرائيل الكبرى" و"الشرق الأوسط الأمريكي الجديد" لا يمكن أن ينعم بالأمن والاستقرار إذا بقيت المقاومة في لبنان.
- العرب والمسلمون يتهمون المقاومة بكشف عوراتهم وتسخيف مبرراتهم للتطبيع مع "إسرائيل"، بسبب عدم توازن القوى. بينما تثبت المقاومة أنها تستطيع إقلاق وعرقلة المشروع "الإسرائيلي".
- الحلفاء ينقمون على المقاومة اللبنانية لأن موقفها سيكون إدانة تاريخية لكل حركة مقاومة تلقي سلاحها وتعترف بعدوها وتتنازل عن وطنها حتى لو لم تستطع في هذه اللحظة تحرير أرضها المحتلة في فلسطين أو سوريا أو غيرها. فيمكن للأجيال القادمة حتى لو بعد مئات الأعوام أن تسترد أرضها ولا تكون صكوك التنازل والاستسلام مانعاً لها من استرداد حقوقها!
يزداد الخطر على المقاومة في لبنان لأنها أصبحت هدفاً مشتركاً للعدو والصديق والحليف والخصوم الذين يطلبون أن تصمت وتعلن استسلامها، فتعيد "إسرائيل" ذات التصريحات بعد انطلاق "طوفان الأقصى" ليعلن المسؤولون العسكريون أن الخطر من الشمال وقصدهم المقاومة اللبنانية، ويعلن مكتب رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بعد توقيع الاتفاق مع حماس أن "حزب الله صار أقوى مما كان عليه قبل 7 أكتوبر"، ليؤشر إلى أن الخطر الحقيقي على "إسرائيل" ليس من غزة أو الضفة والجولان أو سيناء، بل من لبنان، ولا يمكن تأمين أمن "إسرائيل" إلا بالقضاء على المقاومة في لبنان، مما يضعها على لائحة الاستهداف الأولى بعد اتفاق غزة وإنهاء المقاومة المسلحة داخل فلسطين المحتلة.
وهنا يتكرر السؤال الذي بدأ بطرحه خصوم المقاومة في لبنان ويتسلل إلى الحلفاء السابقين الذين يفرون الواحد بعد الآخر وربما بدأ يتسلل بصمت داخل المجتمع الحاضن للمقاومة.
هل ستبقى المقاومة في الساحة تقاتل وحيدة، بعدما استسلم الجميع ووقع أهل القضية الفلسطينية على وقف النار وتقاسم فلسطين والتنازل عن السلاح؟
هل سيبقى الشيعة اللبنانيون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين ويضحون بأنفسهم وما يملكون من أجل قضية تنازل عنها كل العرب والمسلمين وأغلب الفلسطينيين؟
ستبدأ ثقافة (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ...) ولا تكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين؟
إن هذه الأسئلة والمصطلحات لا يمكن للمسلمين الشيعة أن يسلكوها مهما كانت الأثمان مع الخلاف في تفسير الآية. فالشيعة يرون التهلكة في الاستسلام والتطبيع... والآخرون يرون التهلكة في القتال والثبات على المبادئ! مع التأكيد أن الشيعة لن يكونوا مغامرين ولا مقامرين ولا انتحاريين لإنقاذ غيرهم، بل عقلانيين وأهل مبدأ وعقيدة، وسيسلكون طريقاً يحفظ مبادئهم وعقيدتهم ويحمي أهلهم، دون الاعتراف "بإسرائيل" والأولوية لحفظ وطنهم ودورهم أو تكليفهم - الآن - ألا يكونوا كربلائيين إلا في حالة الاضطرار... كما كانوا في حرب 66 يوماً التي حمت الجنوب من الاجتياح الكامل ولا زالت تحميه.
الثبات على المبادئ يستدعي تقديم أثمان كثيرة... وتاريخ "الشيعة" يفيض بالتضحيات والشجاعة والثبات على العقيدة... ولن يلوثه "جيلنا" مهما كانت الأثمان مع اليقين بأننا إن لم نستطع الانتصار في معركتنا الآن، فإن أولادنا وأحفادنا والأجيال القادمة ستثأر لخساراتنا... وتنتصر.
يمكن أننا سنبقى وحدنا.. لن نصافح العدو ولن نتنازل ولن نعترف "بإسرائيل" ولن نستسلم حتى لو صار عدد قبورنا أكثر من عدد بيوتنا.
"المقاومة اللبنانية"... الوحيدة التي لم ولن تصافح "إسرائيل" ــ د. نسيب حطيط
السبت 11 تشرين الأول , 2025 10:18 توقيت بيروت
أقلام الثبات

