أقلام الثبات
سقطت سوريا التي كانت قلب العروبة النابض والحاضن لقوى المقاومة، والمرابط الأخير ضد التطبيع والسلام مع "إسرائيل"، بيَد "إسرائيل" والتكفيريين الذين بدؤوا بتقطيعها وتقسيمها إلى حصص جغرافية؛ فتأخذ "إسرائيل" السويداء (الدرزية) والجنوب السوري، ويأخذ الأكراد بعض الشمال والشرق، وتأخذ تركيا المغانم والجغرافيا التي تؤمن مصالحها دون أن تربح القضاء على الأكراد والذين ستبقيهم أمريكا عامل تهديد لابتزازها.. أما منطقة الساحل (العلوية) اليتيمة فإنها تنتظر تقرير مصيرها؛ هل ستكون أمريكية أو روسية، أو منطقة مستقلة بإدارة دولية مشتركة، لتقاسم الغاز والثروات والسياحة؟
لن يبقى اسم "سوريا الجديدة" الجمهوريةَ العربية السورية، لأن الأكراد يطالبون بشطب التعريف "العربي"، ولن تكون دولة موحّدة، لأنها ستكون ضحية التقسيم والفدرالية أو الكونفدرالية والإمارات المستقلة، ثم يتم القضاء على التكفيريين بعد انتهاء مهمتهم، وستبقى جمهوريةُ مصر العربية الدولةَ الوحيدة التي تختضن صفة العروبة ،بانتظار التآمر عليها وإسقاطها وإرجاعها "فرعونية" و"قبطية"!
سقوط سوريا نهاية ما كان يعرف بالأمة العربية أو الوطن العربي، وطعنة كبرى للمشروع المقاوم العربي والإسلامي، حيث لم يبقَ بين دول الطوق "لإسرائيل" في حالة حرب إلا بعض لبنان، أو طائفة لبنانية، يناصرها بعض الوطنيين من الطوائف الأخرى، ويحاصرها أغلب اللبنانيين والسلطة السياسية.
سقوط سوريا أخطر مراحل إنهاء القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها المقاومة اللبنانية واستمرار الحرب عليها داخلياً وخارجياً حتى القضاء عليها. وتحييدها "مؤقتاً".
سوريا التي منعت تقسيم لبنان، وحمت المسيحيين في الحرب الأهلية، ودعمت المقاومة، وحمت "الدروز"، ثم احتضنت المقاومة العراقية وعلماء العراق الذين اغتالت أمريكا من لم يستطع الفرار منهم ، أما الآن فقد انقلبت الصورة، فسوريا "التكفيرية" تهدّد المسيحيين والعلويين والدروز والشيعة والسنّة المعتدلين في سوريا، وتهدّد لبنان، وتتحالف مع "إسرائيل"، وستكون قاعدة للانقضاض على العراق لتقسيمه أيضاً.
تحجب جرائم الإبادة الجماعية لغزة والحرب المستمرة على المقاومة في لبنان ما يجري في سوريا ولا يتحدّث عنها أحد رغم خطورته وهو أول بلد عربي ،يتعرّض للتذويب بسرعة قياسية لإعادة تدويره "دويلات" طائفية وقومية تدور في الفلك الأمريكي وتفتح الأبواب "لإسرائيل" الكبرى وليكون الجيش "الإسرائيلي" على الفرات السوري وهو على الفرات التركي ،استعداداً لوصوله للفرات العراقي.
من كان يصدّق أن تختفي دولة عربية مركزية مثل سوريا بأقل من عام؟
من كان يصدّق أن يتحالف العرب والمسلمون وإسرائيل وأمريكا ضد "غزة" الفلسطينية - العربية - الإسلامية "السنّية"؟
من كان يصدّق أن يحتشد العالم مع "إسرائيل" والعرب وأغلب اللبنانيين في لبنان ضد المقاومة الجريحة وطائفتها، لقتلها وإخماد آخر صوت يصدح بالشرف والكرامة والمقاومة؟
من كان يصدّق أن يصبح العملاء مسؤولين في السلطة ،فيطلقون العملاء ويحاكمون المقاومين ويطالبون إسرائيل بالاستمرار بقتلهم وتهجيرهم واجتثاثهم سلاحاً وثقافة وعقيدة؟
لم يصدّق نتنياهو اصدار الحكومة اللبنانية قراراً بنزع سلاح مقاومتها والتخلي عن قوتها أمام الجيش "الإسرائيلي".
لم يصدّق نتنياهو كيف ساعده العرب والمسلمون وتركيا، وأجبروا حركة "حماس" - المُحاصرة والنازفة - على التنازل والموافقة على خطة "ترامب" بإطلاق الأسرى "الإسرائيليين"، والتنازل عن السلطة، وتسليم السلاح دون ضمانات أمريكية أو "إسرائيلية" للالتزام ببقية الخطة!
سقطت سوريا وبدأ تمزيق ورقة العالم العربي من كتاب الأمم وسقط العرب من تاريخ الشعوب الشجاعة والشريفة وإذا سقطت المقاومة في لبنان أو انهزمت فلن يبقى عالم عربي بدوله القائمة، بل ستكون كما صرّح المبعوث الأمريكي توماس برّاك شعوباً وقبائل تعدادها 129 طائفة ومذهباً وقومية وستكون هذه الدول بعدد هذه القبائل ،وحكامها نواطير وجباة ضرائب ورعاة قطعان الشعوب الذليلة والمستسلمة.
هل ينتفض الوطنيون السوريون الذين صمتوا العام الماضي ويستعيدون سوريا العروبة والمقاومة من فم الوحش الأمريكي - "الإسرائيلي" - التكفيري ، لتعود ركناً لإعادة بناء الأمة أو أننا نعيش أضغاث أحلام ونقول سوريا العروبة...وداعاً.
نحن في لبنان سنبقى مرابطين على ثغور عقيدتنا وشرفنا وكرامتنا ولو استسلم كل العرب والمسلمين، وسنقاوم بعقلانية وبموضوعية، وبثبات على المبادئ، ولن نغامر... ولن ننتحر... ولن نستسلم... وسنصمد... وسينصرنا الله سبحانه.
"سوريا الجديدة" خارج العروبة والمقاومة ــ د. نسيب حطيط
الأربعاء 08 تشرين الأول , 2025 08:30 توقيت بيروت
أقلام الثبات

