أقلام الثبات
مع اجراء اول انتخابات برلمانية في سوريا , تجمع بين غرابة القانون المعتمد في الانتخابات والاهداف المتوخاة من الانتخابات , في سياق تشكيل سلطات صورية في ظل احتلالات متعددة الجنسية تبدأ "بإسرائيل" ولا تنتهي بتركيا، وقاسمهما المشترك؛ الولايات المتحدة الاميركية، بكل ما تبطن من كراهية تاريخية لسوريا , واطماع في ثروات المنطقة .
لا يختلف اثنان حول أن القانون الذي اجريت الانتخابات على اساسه هو من انتاج تركي، وواضح انه يهدف الى تفسيخ المجتمع السوري؛ سواء على المستوى السياسي او المناطقي او المذهبي؛ على طريق فوضى من نوع جديد.
يعتقد مثقفون سوريون, لم يكونوا يوما على وئام مع الحكم السابق , ان النظام الانتخابي الجديد لا يمكنه ان يعالج مسألة المثيل , بل المقصود منه تغطية حكم مراد له ان يكون ديكتاتورا بلبوس برلماني , والدليل على ذلك ان رئيس الدولة – اي احمد الشرع – يعين ثلث اعضاء المجلس (70) نائبا ,بحسب الآلية الجديدة التي تنص ايضا على أن الهيئات المناطقية التي شكلتها اللجنة العليا تنتخب ثلثي أعضاء المجلس، اي بمعنى اخر تعين المراد لا انتخابات بالمعنى الدقيق من قبل الناس ,بحيث انها اقرب الى انتخابات حزبية لأعضاء اللجنة المركزية التي تنتخب رئيس الحزب .كما ان الاجراء يمنع اي شخص يمكن ان يظن بانه كان من انصار النظام السابق من الترشح او الانتخاب حتى المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، نوار نجمة، اعلن أن "مجلس الشعب خال تماما من داعمي النظام البائد"، وإذا ظهرت أدلة تثبت ارتباط أي شخص بالنظام السابق فسيتم إقصاؤه من المجلس.
ما تقدم يعني ببساطة ان التركيبة الاقصائية برمتها تحمل بذور الانفجار الداخلي , على التوقيت التركي مع الاخذ بعين الاعتبار استثناء 3 محافظات، هي الرقة والحسكة والسويداء، من التمثيل لأسباب "أمنية" وفق مصطلح المتحدث باسم لجنة، وطبعا في السويداء يضاف العامل "الاسرائيلي" المؤثر والمساهم بحدة في المدار الفوضوي السوري الذي لا يبدو في الافق انه ايل الى الهدوء، ولو نسبي ,على طريق استقرار ممنوع .
المشهد الاستراتيجي في المنطقة لا يزال على صفيح ساخن، سيما ان محاولات إعادة تشكيله دونها العنف المتفلت، بحيث أصبحت القوى المحلية خاضعة لبرامج إقليمية متنافسة.
وعلى الرغم من اختلاف الأساليب والأهداف، برزت أنقرة وتل أبيب كالقوتين الخارجيتين الأكثر تأثيراً، عبر إعادة تشكيل الخرائط الميدانية والبنى المؤسسية للنظام السوري الجديد.
طالما كانت تركيا العنصر الاول في العمل على تدمير سوريا، ليس فقط كنظام , بل وايضا كانت حروبها على التكوين الاجتماعي منذ العام 2011، حيث كان استيراد الارهاب؛ قيادات وافراد وتكوين والدعم اللوجستي , وهي تواصل انخراطها بصورة شاملة ومنهجية: اذ دمجت الكيانات والقوات العسكرية التي انشأتها واستخدمتها ,مع هياكل إدارية ودعمت وحدات ميليشياوية محلية، وحوّلت مناطق شمال سوريا إلى بؤر دائمة التفجر , في اطار محاولات تخدم الاستراتيجية التركية في تمزيق سوريا رغم الاعلان الظاهري بتأييد وحدة سوريا لكن تحت حكم موال بالكامل لتركيا , والا فليكن الطوفان الذي يجرف كل السوريين .
لا يزال الدور التركي في سوريا المرئي والخفي على حد سواء في ذروة السلبية بحيث لم تتغير الاجراءات داخل المناطق التي أسست أنقرة فيها منظومات حكم بديلة: أجهزة أمنية محلية، مجالس قضائية، وهيئات بلدية ممولة من البرلمان التركي. كما أنّ تداول الليرة التركية واعتماد مناهج باللغة التركية يعكسان اندماجاً يتجاوز حدود النفوذ المؤقت ليقترب من بناء دولة موازية, وهذا الامر أكثر ما يتجسد ايضا , في الفعل التركي داخل جيش سوريا – احمد الشرع – اذ ان اتباع تركيا يشكلون نواة واجنحة الجيش السوري المستحدث , ودفع حكومة الشرع لتعزيز سيطرتها بالقوة على المناطق الساحلية التي شهدت مجازر غير مسبوقة , ليست اقل ابدا مما ارتكب في السويداء التي شكلت فصائل مستقلة لها برعاية وحماية "اسرائيل" .
من أبرز النتائج المستدامة للحرب التحولات الديموغرافية. فتركيا، عبر إعادة توطين لاجئين في مناطق نفوذها، متهمة بممارسة «هندسة سكانية» تهدف إلى استبدال الكتل الكردية بأخرى عربية موالية. وفي مناطق أخرى، تجري عمليات مشابهة بدعم أو تغاضٍ من قوى خارجية. هذه السياسات تجعل عودة اللاجئين إلى مناطقهم الأصلية أقل احتمالاً، وتزيد تعقيد أي مسار للمصالحة أو إعادة بناء وطن موحّد.
من المفيد الاشارة ان التقاسم الوظيفي بين تركيا واسرائيل يصطدمان عند تعارض المصالح الآنية التي سيما التي تخدم غرور الرئيس رجب اردوغان في مطامحه العثمانية وان بأشكال جديدة , والاهم من خلال اجهاض اي دور عربي بمعنى النفوذ , بحيث تكون تركيا متسيدة كلاعب مركزي في المنطقة على حساب اي دور عربي في دول البحر المتوسط , ما يجعل الامن العربي كله في خطر سيما اذا اخذنا بعين الاعتبار الربط التركي في شمال افريقيا ايضا من خلال اتفاقات عقدها مع حكومة طرابلس في ليبيا .
لقد باتت سوريا ,رغم عدم إعلان تقسيم رسمي، باتت عملياً مقسّمة إلى أقاليم شبه ذاتية الحكم:
الربع الشمالي الشرقي تحت إدارة كردية؛
القطاع الشمالي الغربي بيد ميليشيات مدعومة من تركيا؛
الجنوب (مركزه السويداء) يتجه إلى حكم ذاتي بدعم إسرائيلي ضمني؛
المنطقة الساحلية أصبحت معزولة سياسياً ومقفلة اقتصادياً؛
دمشق وما حولها تخضع لسلطة شكلية للحكومة الانتقالية.
لكل منطقة هياكلها الإدارية وأجهزتها الأمنية ونظامها الاقتصادي، ترسخت بفعل الواقع الميداني والهويات الطائفية أكثر مما فرضتها أي شرعية قانونية وطنية.
حتى الان فشلت الدول العربية، خصوصاً الإمارات والسعودية، في مسعى لاحتواء النفوذ التركي، رغم كل التقديمات السخية للشرع وحكومته، بينما تشير كل التوقعات الى ان الدور التركي يزداد خطورة على الاستقرار في المنطقة واوروبا، مما يسمح للكيان الصهيوني التمادي في التوسع والاجرام.