نواف سلام اختار صخرة الانتحار السياسي _ أمين أبوراشد

السبت 27 أيلول , 2025 03:27 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

قبل يومٍ من احتفالية إنارة صخرة الروشة بصورة السيدين الشهيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، وصدور مذكرة رئيس الحكومة نواف سلام بمنع إنارة "الصخرة"، كونها من الأملاك العامة البحرية، قال أحد المتابعين لملفات الهدر والفساد في لبنان: بدل أن يخشى سلام على شعور الصخرة، كونها ملك عام، عليه أن يُدرك أن الدولة اللبنانية تخسر سنوياً 475 مليون دولار عائدات مُقدَّرة من الأملاك البحرية، وتكتفي فقط بتحصيل 25 مليون دولار، نتيجة العجز التشريعي والإداري والفساد المستشري في كافة أجهزة الدولة.

وليست وحدها صورة الشهيدين التي أنارت صخرة الروشة هي التي استفزَّت الرئيس سلام، بل ربما صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري؛ في ردٍّ من المقاومة على من يحاول احتكار بيروت، ونزع صفة المقاومة عنها، وحسناً فعلت اللجنة المنظمة للاحتفالية برفع صورة الحريري الأب والابن يتوسطهما سماحة السيد الراحل، لأن هذه الصورة - اللوحة الجامعة، هي حقيقة بيروت، وتاريخ بيروت، ومجد بيروت.
لسنا هنا في مجال تعداد مواقف الرئيس الراحل رفيق الحريري من المقاومة، وقربه الشخصي من سماحة السيد نصر الله، ولا مواقف الرئيس سعد الحريري التي دفع ثمنها من حياته السياسية كي يحقن دماء اللبنانيين، بل نحن بصدد سؤال إلى الرئيس نواف سلام: بعد الرئيس رفيق الحريري واختيار بيروت نجله سعد لخلافته، وبعد اعتزال الابن الحياة السياسية مؤقتاً، نتيجة غضب "خليجي" عليه، لماذا لم تفلح الطائفة السنية الكريمة في الإجماع على شخصية "زعاماتية"؟ الجواب كان يردده رفيق الحريري: "لا أحد أكبر من بلده، وهذا البلد لا يُحكم إلا بالتوافق بين مكوناته"، بما يعني، لا يُحكم بأوراق أميركية، ولا بإملاءات من الغرف السوداء المشبوهة من السفارات، وبالتالي هو ليس تحت رحمة مطرقة قاضٍ دوليٍّ سابق، كان يُقاضي العالم ولا يُجيد إقامة العدل في بلاده.

لم يتوقف الرئيس نواف سلام عن "مناطحة" الصخرة، ولم يكتفِ بالمذكرة التي أصدرها بمنع استخدامها لدقائق كخلفية صورة مَن كانوا "بيارتة" أكثر منه يوم كان في الخارج، بل أوعز إلى وزراء العدل والداخلية والدفاع للتصرف، والقبض على مَن خالفوا شروط ترخيص التجمُّع وارتكبوا "جرم الإنارة"، وهو رأى كما كل المتابعين، أن عدد المشاركين الوارد في الترخيص يبلغ 500، بينما كانت الأعداد المشاركة بالآلاف، والبحث عن المُخالِفين وسط هكذا حشد شعبي عاطفي كمن يبحث عن إبرة في كومة من القش، خاصة أن كشافات "اللايزر" كانت تجوب كل البنايات المجاورة.

أما وأن الرئيس سلام قرر "الحَرَد" دون اعتكاف وتوافد إليه بعض مريديه لمؤاساته بشأن "الفرمان الحكومي" الذي تمّ كسره، فإن الخرق الذي حصل لا يستحق كل هذه المكابرة من رئيس حكومة مطلوب منه إنجازات كبيرة بدل أن يتلهى بالصغائر، ويُنصح هو وسواه عدم التدخُّل في التفاصيل العملانية عندما يكون الجيش اللبناني في الميدان، سواء في إنارة صورة، أو في إطفاء جذوة نار قد تُشعِل - لا سمح الله - حرباً أهلية، ونحن ندرك ما نقول.

انتهينا من معضلة "الصخرة"، ونبقى مع رئيس الحكومة "الحردان"، خصوصاً بعد صدور تصريح من وزير الدفاع اللواء ميشال منسى، طلب فيه "الكفٌ عن المسّ بكرامة عسكرييه وضباطه، الفخورين الجسورين الميامين، التي تأبى نكران الجميل وتأنف التحامل الظالم، وتأسف لإلقاء تبعات الشارع على حماة الشرعية والتلطي وراء تبريرات صغيرة للتنصّل من المسؤوليات الكبيرة".

وعلى سيرة الجيش اللبناني الذي يتحمَّل باللحم الحي كل التبعات، الداخلية والحدودية، يأتي تصريح وزير الدفاع بلسماً له، بعد الهجوم غير المؤدَّب الذي تعرَّض له هذا الجيش من المبعوث الأميركي الوقِح طوم باراك، الذي وصَّف مهام عناصره بالخدميَّة الى درجة جمع القمامة، وفرحة نواف سلام به لن تطول، لأن هذا الجيش لن يتقيَّد بورقة أميركية في موضوع حصر السلاح، ولا يشتغل هذا الجيش عند طوم براك أو سواه، ولديه قيادته الواعية، الواعية جداً في تطبيقاته الميدانية.

وعلى هامش السنوية الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة ومشاركة لبنان بشخص رئيس الجمهورية العماد جوزف عون بها عبر إلقاء كلمة لبنان، كانت هناك عشرات الندوات واللقاءات الإعلامية المواكِبة لهذه المناسبة، وتناولت القضية الفلسطينية ومستقبل سوريا والعراق وليبيا واليمن و"الشرق الأوسط الجديد"، ومسألة إشعال الحروب الدائمة في هذه المنطقة من العالم، وأن "إسرائيل" ليست أكثر من قاعدة أميركية، جاء تصريح دبلوماسي أميركي سابق أبلغ من كل التحليلات حول موعد السلام المزعوم في الشرق الأوسط.

قال ذلك الدبلوماسي: لا تنتظروا السلام لا من ترامب ولا من سواه مادامت هناك دولة عميقة ترعى مصالح العاملين في قطاع صناعة وتجارة الأسلحة، وعددهم مع عائلاتهم يفوق الخمسين مليوناً في أميركا، بدءاً من الطبَّاخ الذي يعتاش من مصنع الأسلحة، مروراً بكل الوظائف الفنية واللوجستية، وصولاً إلى المهندس والعالِم النووي، وإحلال السلام في منطقة مُستهلِكة للسلاح كالشرق الأوسط خسارة لا تعوض لقطاع يعتاش من الحروب.

ذكرنا هذه الجزئية ونختتم بها، لأن كل تفكير لبناني بنزع سلاح المقاومة في هكذا بيئة إقليمية ساخنة على الدوام هو انتحار، وربما تعِب لبنان كما كل بلدان الجوار من قول "النعم" المجانية لأميركا، ومَن يحاول تجريد لبنان من وسائل حمايته على وقع تهديدات صهيونية يومية بالاجتياح البري، إنما يدفع به كوطن إلى الانتحار، وهذا ما لن يحصل، ولينتحر كل مغامرٍ وحده.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل